الإمام مالك وفصل علم الاجتهاد عن تحكُّم السلطة

الإمام مالك وفصل علم الاجتهاد عن تحكُّم السلطة

1-الإمام يرفض أن تكون السلطة جزءا من الاجتهاد الفقهي:

عرض الخليفة المنصور على الإمام مالك أن يحمل الناس على كتابه الموطأ، فأبى مالك أن تدخل السلطة في الاجتهاد الفقهي، وأن مراد الله تعالى في الحلال والحرام يعينه الفقه وليس السلطة، وكان ذلك رفضا قاطعا لصناعة سلطة دينية باوبوية، تنازعها سلطة سياسية قيصرية، ثم نقْل صراع السلطة إلى داخل الدين نفسه، فالعلماء لهم البيان، وأن الفقه يحدد مساحة السلطة وليست السلطة تحدد الفقه، ويكون عمل السياسي وفق المحددات الفقهية، كما هو الحال في مرجعية القانون في الدولة الحديثة، لا أن الفقيه يمارس السياسة.

2-عديم المذهب لا يحسن قراءة المذهب:

من اللافت أن الداعية لم يلتقط رسالة الإمام مالك على مراده، بل أسقط اجتهاد الإمام مالك بنفس قول مالك: كلٌّ يؤخذ منه ويُرد، وأبطل التقليد وأحال أدلة الشريعة من المجتهدين إلى الجمهور ، وعوَّم الاجتهاد من العلم  إلى رأي عام، حسب إعادة الجمهور  النظر  في النص وتجاوز المذاهب المتبوعة، وأصبح للعوام مذهب هو الأصل يعيِّنون فيه ما يجب على العالم أن يقوله، وأصبح الجمهور قدوة، والداعية يصفق خلف الجمهور ، وحل الدعاة الجدد محل أئمة الدين.

3-عديم المذهب وتهريب مسائل السياسة إلى أصول الدين:

قَلَب بعض الدعاة مسائل السياسة والدولة من الخلاف الإدراي والحلال والحرام حسب مرجعية الفقه،  إلى الكفر والإيمان بالولاء والبراء والطاغوت، وهو استمرار  لمذهب الباطني الشيعي جمال الدين غير الافغاني أن الإمامة من أصول الدين ثم تفريع الحاكمية والطاغوت على هذا الأصل الباطل، وقطيعة مع إجماع أهل السنة أن الكفر هو جحود معلوم من الدين بالضرورة.

4-صراع في مركزية السلطة والداعية وإقصاء مركزية الأمة والفقيه:

وتبعا للتكفير السياسي صار الجهاد حالة ثورية داخل الإسلام، ولكن السؤال أين إعلان أصل أهل السنة في الكفر والإيمان من تأثيرات أصول الباطنية في تكفير أهل السنة أنفسهم، هل دماء الشعوب في الربيع الذي أتى في خريف الدم على أصول أهل السنة أم هو اختراق باطني لم يجد ابن حنبل في أثره، ولا مالك في سلفه، ولا أبي حنيفة في استحسانه، ولا الشافعي في بيانه، أم هي باطنية الحداثة بألفاظ الشريعة ؟! إن استرداد الاجتهاد الفقهي على أصوله العلمية وجعله حاكما وفق أصول الاجتهاد صالح لترشيد السلطة وحمايتها،  وتمكين الأمة وسيادتها، صحيح أن الطريق بعيد ولكنه مفيد.

5-المذهب الفقهي خال من التكويع

من أجمل ما يكون أن يصبح العلم سهلا بفكرة بسيطة، للتمييز بين الفقه والفكر،مثال ذلك المذهب الشافعي هو السائد في الشام لم يتغير  قبل سقوط النظام وبعده، أما التكويع بمعنى الانقلاب حسب النظام السياسي، فهو فكر الداعية وليس المذهب الفقهي، ولذلك تقلبات الدعاة لا تؤثر  على مصداقية التدين فحالاتهم خاص بهم لا تعبر عن المذهب المستقر العابر للزمان والمكان.

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عمان أرض الرباط

20- شوال -1446

19-4-2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top