الارتدادات الفكرية للحرب على غزة (التمييز بين مسائل الإمامة ومسائل الفتوى وأثرها في ثبات المسلمين في فلسطين)

الارتدادات الفكرية للحرب على غزة

(التمييز بين مسائل الإمامة ومسائل الفتوى وأثرها في ثبات المسلمين في فلسطين)

1-أهمية التمييز بين مسائل الإمامة والفتوى:

من مسائل دلالة العام يناقش الأصوليون التمييز بين مسائل الإمامة  أم الفتوى، مثل حديث: من قتل قتيلا فله سَلَبه، هل هو في كل من يقتل قتيلا من الكافرين أثناء المعركة، أم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله باعتباره قائدا للمعركة وإماما للمسلمين فيكون ذلك من مسائل الإمامة، وليس ذلك إلا للإمام، فهذا من المتردد بين الإمامة والفتوى، وضربته مثالا للتمييز بينهما.

2-مثال على الإمامة(السياسة):

أما قيادته صلى الله عليه وسلم العسكرية للمعارك كنزوله في بدر، وترتيب أصحابه في معركة أحد، وأمور السياسة الشرعية الوقتية في زمانه مثل أمره المسلمين بالهجرة إلى الحبشة، فهذا لظروف مشخصة في الحبشة وفي مكة،  وليس من باب الفتوى، بل المرجع فيها إلى الأصول في مسائل الإمامة أي السياسة الشرعية، وليس الفتوى، ولكن يحدث اللبس من جهة التمييز بين الفتوى والسياسة ومسائل القدوة والحالات المشخصة، وبين كون الدار في فلسطين هي دار كفر أم دار إسلام، وهذا ما ينبغي أن يوضح في بيان: بِم تكون الدار دار إسلام.

3-تبقى دار إسلام ولو صارت السلطة للمغول والصليبيين والغزو الاستعماري:

أ-تنتشر فكرة دينية  مفادها أن  ضابط دار الإسلام هو تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وبناء على أن كثيرا من الدول تطبق قوانين غير إسلامية فإن الدار تصبح دار كفر، مع أن الخلافة الأموية كانت بالغلبة ونقصت من أحكام الشريعة في التطبيق، وضعفت الخلافة  العباسية ولم تطبق الشريعة بل سادت أعراف عشائرية مرجع بعضها إلى ما قبل الإسلام، ناهيك عن الغزو المغولي والصليبي وأخيرا  الغزو الاستعماري.

 ب-مما يعني أن ما أحدثته الأفكار الدينية مخالف لعمل الأمة والفقهاء الذي يرون أن الغزو الخارجي لا يحيل دار الإسلام إلى دار الكفر، ما دامت شعائر الإسلام ظاهرة، وحسب شعار المسجد الأقصى والمرابطين حوله من بقية أهل الله في الأرض، هو الذي يمثل علما ظاهرا وشعارا صادقا على أن أرض فلسطين أرض إسلام ولو غلب عليها الغزاة اليهود، ولو ترأس بعض الدولة العربية غير مسلم مثل لبنان، فهذا لا يمنع كون لبنان دار إسلام باعتبار اتصال دار الإسلام وظهور الشعار.

ج-مما يشكل على الجماعات التي تزعم أن الدار تكون دار إسلام بتطبيق أحكام الشريعة وقد نقص جزء منها كالبيعة وبعض صور الظلم أنهم لا يقولون بتطبيق كامل الشريعة ولكنهم لا يحدون حدا لذلك النقص، مما يعني أن ضابط تطبيق أحكام الشريعة لا يصلح من الناحية الفقهية ولا التطبيقية، فيبقى عمل الأمة في فترات الغزو الخارجي باعتبار الدار دار إسلام بظهور الشعار هو المعول عليه في التطبيق.

4-التمييز بين ظهور الشعار ووجود الشعار:

يوجد شعار الإسلام في الغرب، ولكن الشعار ليس ظاهرا، بل هو صفة فئة قليلة من المسلمين يضادها غلبة لها شعاراتها المسيطرة على الفضاء العام، بينما في ديار الإسلام شعار الإسلام ظاهرا، وأضرب مثالا لذلك بالأضحية، فهي من شعائر الله الغالبة، ومن تجرأ على الشعار كان منبوذا في دار الإسلام، ولكن في دار الكفر -مع الأسف- يكون هذا المنبوذ مسموعا له ظهوره الغالب على المجتمع، بينما تجد المسلمين يبحثون لأنفسهم عن مشروعية لشعارهم في الأضحية ويسلكون حالة تبريرية هي حالة الضعيف، فلذلك يجب التفريق بين وجود الشعار كالأضحية والصوم والصلاة في الغرب، وبين ظهور الشعار في ديار الإسلام.

5-دعوات الهجرة من فلسطين هي بسبب الخلل في التصورات:

ومن هنا نقول إن دعوات الهجرة من فلسطين بناء على أنها دار كفر -بزعمهم- لأن السلطة للغزاة ولهم الغلبة العسكرية غير صحيح، لظهور شعار الإسلام فيها وحسبك المسجد الأقصى الذي يمثل البيرق الذي يلتف حوله المؤمنون في الأرض، فهو شعارهم الديني ودثارهم السياسي، وأن سبب الإشكال هو تلك الجماعات التي قامت على إعادة النظر في النص وتجاوز الأمة في مذاهبها المتبوعة، ولا تحفل بعمل الأمة لا في تصور الجهاد وأحكامه ولا ما يرتبط به من الكفر والإيمان وأرض الإسلام وأرض الكفر، وهذه الجماعات تعيش في مركزية السلطة وفارقت مركزية الأمة والشريعة.

6- الطريق من جاكرتا  إلى طولكرم راجح على طريق طولكرم إلى ساحل المتوسط:

قد يقول قائل إن ساحل فلسطين كيافا وحيفا وتل الربيع (تل أبيب) التي يستوطن فيها الغزاة لا يظهر فيها الشعار كالصلاة والأضحية ورمضان، فلم لا تكون دار كفر حسبما قدمتَ في اعتبار الشعار وليس تطبيق الأحكام، فالجواب: إن المسافة الشاسعة بين طولكرم وكابل في أفغانستان، وإسلام آباد في الباكستان وغيره من عواصم الإسلام، راجحة على المسافة بين طولكرم وساحل البحر المتوسط الذي لا يتجاوز 15 كلم، ذلك أن دار الإسلام متصلة ولا تعتبر الحدود السياسية فاصلة في دار الإسلام، بل هي فاصلة في مسائل الإمامة التي هي السلطة السياسية، أما باعتبار دار الإسلام فهي دار واحدة.

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عمان أرض الرباط

18- شعبان -1446

17-2-2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top