الارتدادات الفكرية للحرب على غزة
غزة وإعلان إفلاس الفكر الأداتي الديني
1-معنى الفكر الأداتي:
الفكر الأداتي لا يُعنى بالحقائق كما هي، إنما يُعنى بالرغبة والمكاسب المؤقتة والسريعة بصرف النظر عن الحقيقة ويتعامل معها لمنفعتها لا أنها حقيقة في نفسها، وما زال الفكر الديني السني المعاصر يمارس الأداتية في المكاسب السريعة مع المشروع الشيعي، فهو فكر متحير ، كلَّت يداه من التصفيق للمشروع الشيعي في 2006، ثم أتعب فكَّيه في لعَن هذا المشروع بعد المجازر المروعة التي ارتكبها في أهل السنة في العراق والشام، وهاهو الآن يترنح مع ذلك المشروع الذي يُلقي لأهل السنة الطُّعم بمقدار ما يخدم نموذجه الفكري التوسعي، وتحسين موقعه التفاوضي مع الغرب على تقاسم الغنائم على أرض عربية سنية بلا وجود مشروع سني كلي يمثل نموذج الدولة والمجتمع، مع واقع فكر ديني جزئي غارق في الحشو الكلامي الإعلامي في خطاب الأغلبية الخالي من التكليف.
2-كلي المشروع الباطني في مواجهةاللامشروع:
أ-المشروع الباطني أمام الفراغ السني:
إن المشروع الباطني يملك نموذجه الجديد في الولي الفقيه، الجامع لشتات الشيعة في العالم، بالإضافة إلى المشروع الآخر وهو المشروع الاستعماري المتصهين على أرض فلسطين، كل ذلك يحصل في زمن حركات الفكر الديني المعاصر في العالم السني التي أفلست فعلا، ولم تعلن إفلاسها في نموذج الدولة والجهاد والفقه.
ب-سبب إفلاس الفكر الديني المعاصر:
والسبب أن هذه الجماعات الدينية أعلنت انسلاخها عن المعارف الإسلامية وخرجت من الاجتهاد والتقليد الفقهي إلى نموذج المفكر الإسلامي في خطاب الأغلبية والرأي العام، الذي قام على إعادة النظر في النص وتجاوز المحجة البيضاء في المذاهب المتبوعة، والمدعوم بالمتشابهات والحكايات والأشواق الروحية، ففَرَّق الجماعة في الكفر والإيمان والسنة والبدعة، وشرْذمَ الأمة في فكر أداتي لا يُعني بحقيقة الشرع بل بمصلحة الحزب والجماعة ورؤيتهما القاصرة عن النموذج الكلي للدولة والجهاد والمجتمع والعالم.
3-اختلاط ورقة الوطنية بورقة الدين:
اختلطت ورقة الوطنية والقومية بالدين، فتظهر ورقة الوطنية متصارعة مع الدين، وإن المانع من هذا الاختلاط والَّلبس، أن يكون الدين مخدوما والوطن خادما، لا العكس بأن يكون الدين خادما للوطن، فيجب أن تكون السيادة للدين دائما، وإن تقلبات الفكر الديني بين تناقضات ورقة الوطن والدين هي بسبب عدم المحافظة على هذه المعادلة الضرورية، وهي الدين بالقصد الأول، والوطن بالقصد الثاني، وفقدان هذه المعادلة أدى إلى تسلق المشروع الباطني على ظهور أهل السنة، الذين فقدوا نموذجهم الكلي في مواجهة كليات الحداثة والمشروع الباطني.
4-اللعب على الحبال أم سياسة حكيمة :
فإذا تساءلتَ: لِمَ يَحضُر عمر رضي الله عنه بقوة أثناء الحديث عن فتح القدس، وتحرير فلسطين، وإذا جاء المشروع الشيعي الباطني بلَعْن عمر والصحابة الفاتحين ولكن رفَع رايةالوطن والمقاومة في فلسطين، وقف جمهور الفكر الأداتي والذرائعي في المسرح المهجور مع الباطنية ونسي عمر رضي الله عنه أو تناساه أو نحَّاه، ثم ولى الجمهور دبُرَه وهو يتلو (إن تنصروا الله ينصركم) مع الحرص الشديد على أدائها بأحكام النون الساكنة والتنوين، أليس هذا هو الفكر الأداتي نفسه الذي تعامل به الجمهور مع الصعود القومي العربي قبل احتلال القدس 1967، يعني أن الفكر الديني الأداتي يقرر أن يبقى الحال على ما هو عليه حتى إشعار آخر مع تغيير الممثلين على المسرح المهجور من قوميين وشيعة ودعاة جدد، فهل نحن نتعلم أم نكرر الأخطاء نفسها، بسبب فقدان النموذج الكُلي السني.
5-إن تنصروا الله ينصركم:
أ-تمييز المصلحة الشرعية عن المنفعة الدنيوية:
إن الابتلاء العلمي يكون في التمييز بين المصلحة الشرعية والمنفعة الدنيوية، فلا يوجد لدينا تقدير فقهي في التعامل مع المشروع الشيعي الباطني على نحو يحقق مصلحة شرعية لنا، لأننا فاقدون للمشروع، فالمشروع الكلي الشيعي يتعامل مع أهل السنة تعامل الكل مع المفرَّق في المنافع الجزئية، للدولة والفئة والجماعاة، بقدر ما تكون تلك المنافع للمشروع الباطني.
ب-المدرسة الفقهية السنية هي المرجعية العلمية:
ولو أن أهل السنة رجعوا إلى الإجماعات العلمية ومرجعيتهم الفقهية وتخلوا عن طريق الفكر الديني المعاصر الجزئية والفردية في إعادة النظر في النص، لكان ذلك بداية لتشكل المشروع الكلي الكامل، القادر على البيان المعرفي للأمة، بدلا من السقوط في محرقة الجزئيات لدى الجماعات في التعامل مع المشروع الباطني،وهذه هي الجماعة العلمية السنية هي شرط في الجماعة السياسية، وإن لم تقم هذه الجماعة، فلا يوجد خطاب سياسي، لأن العلم شرط التكليف شرعا.
*مقالة ذات علاقة:
قضية فلسطين على دَرْب البلاء الـمُبِين،
الجهاد بين دين بلا وطن ووطن بلا دين (قراءة مقاصدية في بناء الإنسان والأوطان)
الكسر في الأصول لا ينجبر
عبد ربه وأسير ذنبه
أ.د وليد مصطفى شاويش
عَمَّان الرباط
14-ذي الحجة-1445
20-6-2024
بسم الله الرحمن الرحيم
الدكتور الفاضل:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تفضلتم : (وما زال الفكر الديني السني المعاصر يمارس الأداتية في المكاسب السريعة مع المشروع الشيعي).
أنا طالب علم شيعي من عام 1995م، وأهتم بالفقه المقارن، واسمحوا لي أن أخبركم بصدق أنه لا يوجد شيء اسمه (المشروع الشيعي)، هذا مجرد وهم، وإنما هناك سياسيون ينتمون إلى المذهب الشيعي، وعندهم محاولات (فاشلة) لربط التشيع بمشاريعهم وأغراضهم السياسية. وهم بكل تأكيد لا يمثلون سوى أنفسهم، والتشيع منهم براء.
هذا هو الواقع الذي أعيشه من الداخل، ولعل المراقب من الخارج يصعب عليه فهمه، أو تصديقه، ولكني قادر أن أستضيف من يرغب بالتأكد من ذلك، وآخذه في جولة ميدانية، ليرى ذلك بأم عينه.
وتفضلتم: (إن المشروع الباطني يملك نموذجه الجديد في الولي الفقيه، الجامع لشتات الشيعة في العالم).
أولاً: لم أفهم معنى (الباطني) هنا، وما هو ربطها بالتشيع، فليس في التشيع شيء اسمه ظاهري وباطني.
ثانياً: تصور أن فكرة ولاية الفقيه، أو شخص ولي الفقيه (جمع شتات الشيعة) هذا غير واقعي أبداً، وهو يعطي لولاية الفقيه أكبر من حجمها، ومن واقعها، الفكري، والسياسي.
ففكرة ولاية الفقيه ليست إلا فكرة شاذة صرح بخطئها الأعم الأغلب من فقهاء الشيعة ممن تناولها بالبحث والدراسة، ولم يقبل بها سوى أفراد معدودين ليس إلا، وأما على مستوى الواقع السياسي فهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.
وهي لا تمثل التشيع ولا الشيعة بأي حال من الأحوال.
بل حتى في مدينة (قم) التي يفترض أنها معقل فكرة ولاية الفقيه، المخالفون لها ممن بقي من الفقهاء أكثر من القائلين بها، بل لا يقول بها هناك إلا النزر اليسير، ولكن بطبيعة الحال القهر السياسي يمنع من مناقشتها والرد عليها بحرية.
تقبلوا مني فائق الاحترام والتقدير.
عادل الحكيم
أبوظبي ـ الإمارات العربية المتحدة
شكرا لاهتمامكم ومتابعتكم، ونحن نتحدث عن الواقع السياسي الآن،