الجهاد في زمن الفصل العملي بين الدين والدولة

الجهاد في زمن الفصل العملي بين الدين والدولة

تمهيد:

1-مركزية السلطة في الفكر الدعوي المعاصر:

إن الحداثة في نفسها تطبع مع التدين، بحيث تحدد للدين مساحته المسموح بها، وهي فكر نظري يقوم على أن التدين ليس علما ولا عقلا، وإنما هو اختراع إنساني لم يعد صالحا لتسيير الحياة اليومية للبشر، وأما الجماعات الدينية على اختلافها فهي ترفض الفصل بين الإسلام والحياة نظريا، ولكن الفكر الدعوي المعاصر  يفصل عمليا،  فإما أن يتجه نحول الفصل العملي بين الدين والدولة بسبب التوظيف الخطأ لافتراق السلطان والقرآن، أو حالة التماهي التام مع السلطة في حديث وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فيكون كلا الاتجاهين يقومان على مركزية السلطة رفضا وقبولا، في حالة تغيب فيها مركزية الأمة والشريعة لحساب مركزية السلطة.

2-خطورة غياب مركزية الأمة والشريعة في فقه الجهاد:

وذلك خطر على فقه الجهاد بوصفه قائما على تكامل مركزية الأمة وفرعية الإمامة (الدولة)، وأن التناقض بينهما على طريقة افتراق السلطان والقرآن سيكون لها آثار  ضارة على تطبيقات الجهاد وتهدد بُوصَلته إذا تحول الجهاد إلى قرارات فردية على مستوى الفرد أو الجماعات المتصارعة حول مركزية السلطة وغياب مركزية الأمة والشريعة.

ثانيا-تحالف أصول الطوائف والحداثة ضد مركزية الأمة والشريعة:

عاشت الأمة إلى عهد الخلافة العثمانية في فقهها على مركزية الأمة والشريعة، وفرعية السلطة، وجاء نظامها الفقهي على هذا المنوال، ولكن بعد عودة فكر الاعتزال من النافذة الخلفية وروج للفكرة أن السلطان إذا سقطت عدالته سقطت طاعته، ومحاربة استبداد الخليفة العثماني، وافتراق القرآن والسلطان، وأسعف هذه الفكرة الولاء والبراء والحاكمية وتوحيد العبادة، وإعادة النظر في النص وتجاوز  المذاهب المتبوعة، كل ذلك أدى إلى إخراج نموذج ديني هجين من الطوائف والتطبيع مع الحداثة، يعيش في مركزية السلطة، والشريعة المؤجلة إلى حين الاستيلاء على السلطة.

ثالثا:التيه الفكري والشتات المعرفي:

وأخرج صورة مشوهة من التدين  على شكل جماعات دينية متصارعة وحرب ردة بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، هي عبارة عن أفكار  الرجل العظيم في الفراغ الكبير، وحلت الرؤى الفكرية محل الاجتهاد الفقهي، وتسارعت الأفكار الدينية وتبدلت بسرعة كالوجبات الجاهزة، وأدت إلى شرخ عمودي فكّكَ الأمة، في  شعوب مشتتة بين عفاريت الغلو، وزواحف التحلل ، ودول فقدت زخمها الشعبي، وتعاني من قوى شد عكسية بين الضغوط الدولية من الخارج والشتات الاجتماعي والديني في الداخل، في وقت ضاع محكم الجماعة في الأقوال الدينية في المذاهب المتبوعة.

رابعا: الجهاد من  حماية الأمة إلى الحرب الأهلية:

مما يعني أن الجهاد في ظل هذا  الصراع الداخلي في مركزية السطلة في الفكر الديني وغياب مركزية الأمة والشريعة في ظاهرة  التكفير والتفسيق والشتات الشعبي بين تيارات دينية متصارعة والتغييب المتعمد للمحجة البيضاء في المذاهب المتبوعة التي يمكن أن تمثل المرجعية النظرية العادلة في رفع الخصومة سواء في الجهاد وغيره على نحو  يوجه  الجهاد إلى حرب العدو وحماية الأمة، وليس وقودا لحرب أهلية داخلية يروج لها الدعاة الجدد عبر التواصليات والاستوديوهات الفاخرة والفتاوى الفراغية في خطاب السعادة، والخالية من خطاب التكليف.

التجديد الديني، فقه الجهاد،الحرب على غزة، مركزية السلطة، مركزية الأمة، الإسلام والدولة،  الغلو في التكفير،

المحجة البيضاء

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عمان أرض الرباط

22-جمادى الأولى -1446

24-11-2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top