الربيع العربي ورسم الدائرة متساوية الأضلاع
1-مركزية الأمة والشريعة لا مركزية السلطة والمعارضة:
قام الإسلام على مركزية الأمة والشريعة حيث الشريعة هي الميزان والأمة هي المراقب، والحاكم حارس، فكان أئمة الدين يمثلون تطبيقا للميزان وكانت السلطة في الخلافة طرفا محكوما عليه في بيان الدين وتنفيذ الحارس، ولم تكن الأمة بحاجة إلى مسار ثوري لخلع الخلافة ثم البدء بدورة ظلم جديدة مع الخليفة الجديد، بل كانت الأمة تسير مسيرة إصلاحية في مركزية الأمة والدين، والدين معيار والأمة مُراقِبة والسلطة مُنفَّذة وموضوع، فحُفِظت الخلافة والأمة ضمن هذا التوازن، إلى حين إسقاط الخلافة العثمانية في ثنائية الاستبداد والشعب الغازية من الغرب وحلّت مركزية السلطة محلَّ مركزية الأمة والشريعة، وانفرط عِقْد الأمة إلى اليوم في ظاهرة مركزية السلطة في الجماعات الدينية وطَرَفية الأمَّة والدَّين.
2-على فرض نجاح الربيع في خريف العبودية لقياصرة الشركات:
وبعد ظهور النموذج الغربي في التغيير القائم على الثورات في أوروبا لانعدام الدين الحق الجامع للأمة، انتقلت أوروبا من استبداد القياصرة وفساد رجال الدين إلى استبداد الشركات وقياصرة المال، وصارت مهمة الدولة الديمقراطية في الرأسمالية هي حماية قياصرة الشركات، ولم ينتبه المسلمون المقلّدون لمركزية السلطة في الفكر الحداثي أن أفضل ما يأتي به ربيعهم نجح فهو دخول الشعوب في نظام رق الشركات والتقسيط حتى الموت.
وأما الحكومة المنتخَبة شعبيا فهي حالة شكلية أمام قياصرة الشركات، بسبب غياب منظومة العدالة المالية في الشريعة، وفُشو الفتوى على ذهب المعز بأمر الله الليبرالي، فالإشكال بين الإسلام والحداثة في الكليات هذه، والخطورة هي في الفكر الديني الذي يطبع فكريا مع الحداثة في مركزية السلطة في حالة عدمية بتدوير المربع وتربيع الدائرة، ويغامر كما غامر أسلافه في إسقاط الخلافة العثمانية، ما أشبه الليلة بالبارحة.
3-الربيع يأتيك في الخريف:
هذا على فرض أن الربيع نجح وكان ربيعا سياسيا بامتياز، فإنه سيكون خريف عبودية الشعب لرجال الأعمال، فما بالك بربيع فاشل أتاك في الخريف، يهدم الدولة ويشرد الشعب، وتتحول الجماعات الدينية إلى مركزية السلطة إما بفتوى أن يقتل الحاكم الثلث لإصلاح الثلثين وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، وإما الأمر بالمعروف الذي ينسى الأمة والشريعة، ويتمركز حول السلطة، في مغامرة تنتهي فيها الدولة الوطنية بنفس طريقة إسقاط الخلافة في مركزية التدين حول السلطة، ثم ظهور ميليشيات وجماعات ما دون الدولة وهياكل بشرية متناثرة على الجغرافيا، متعثرة في التاريخ، بسبب مركزية السلطة بين الجماعات الدينية وإقصاء مركزية الأمة والشريعة.
الكسر في الأصول لا ينجبر
عبد ربه وأسير ذنبه
أ.د وليد مصطفى شاويش
عمان أرض الرباط
6- رمضان -1446
6-3-2025