قبل تدوين الحديث، كانت الأمة في فقهها على سنة وهي القول والعمل، والسنة أشمل من الحديث، إذ كثير من عمل الأمة المتواتر المنقول فعلا عن فعل من غير قول هو عمل كما هو مذهب الإمام مالك في عمل أهل المدينة؛ وعليه فإن النموذج العملي للدين الذي كان في السلف هو السنة قولا وعملا، وقد اجتمعا معا في دواوين السنة والمذاهب الفقهية المتبوعة والمحرَّرة التي هي السند العملي للدين، ثم خَلَفَت من بعدهم خُلوف توهَّمُوا أن السنة هي الحديث فقط، وأنكروا سنة العمل، ثم التبس عليهم القول بالعمل، وظهرَت فصِيلة الورقيات التي تتجاهل عمَل الأمة بالسنة مما ليس في الورق، وإذا جاءهم العمل بالسنة في المذاهب المتبوعة قلَّبُوا لك الأوراق، ثم قالوا لا دليل عليه، وكان ذلك شكا في السنة نفسها، فسأل سائل جاهل: بم كان يفتي الفقهاء قبل تدوين السنة؟ وأين كان الدين؟ والجواب كان في السنة العملية في المذاهب الفقهية، حقا ولدت الأمة ربَّتها!