أولا: تمهيد:
كنا قد تحدثنا عن زكاة الحساب الجاري، وربما لا يعنينا نحن الأفراد زكاة الاحتياطي القانوني، لأن هذا شأن جهات ذات الاختصاص كالمصارف الإسلامية والتقليدية، حيث يقوم المصرف المركزي بحجز مبلغ مالي من أموال البنوك جبرا عنها لسببين:
1-حماية الحسابات الجارية للمودعين، وذلك لإمكان تعويض أصحاب الحسابات الجارية.
2- نظام الإقراض الربوي يسمح بإقراض الحسابات الجارية للآخرين، وهذا يعني مضاعفة المعروض النقدي نتيجة توالي إقراضات متتالية على رأس مال واحد، حيث يمكن إقراض ما مقداره خمسين ألف دينار على قوة عشرة آلاف دينار فعلية، وهذه الزيادة في المعروض النقدي تؤدي إلى التضخم وهو غلاء الأسعار، لزيادة معروض نقدي وهمي لا تقابله زيادة سِلْعية وخِدْمية مقابلة.
وهنا نتكلم عن علاقتنا نحن المودعين مع البنوك، وهي أننا مودعون من وجه، ومقرضون من وجه آخر وقد سبق تفصيل ذلك في زكاة الحسابات الجارية، ويقوم عمل المصرف التجاري على أن هناك نسبة سحب قليلة على الحسابات الجارية من قبل المودِعين في الحسابات الجارية، وأن أية حركة سحب مفاجئة من قبل مجموع المودعين ربما تؤدي إلى إفلاس البنك، وربما يكون ذلك بسبب خبر صغير عن إفلاس البنك، وإفلاس بنك واحد يؤدي إلى فقدان الثقة بالنظام المصرفي كله، وهو تبدأ البنوك العالمية المقرضة برفع سقف الضمانات وتكاليف الإقراض على الدول التي يحدث فيها اهتزاز في النظام المصرفي، وقد مضى الحديث عن زكاة الحسابات الجارية بالنسبة للأفراد.
ثانيا: علاقة المصارف بالمصرف المركزي:
لا بد من توضيح علاقة المصرف الإسلامي أو التجاري مع البنك المركزي التي على ضوئها تتحدد أحكام زكاة الاحتياطي القانوني، لأن الأحكم تتعلق بالمسميات لا بالأسماء، وبناء على ذلك فإن البنوك التجارية مجبرة على الإيداع سواء سمينا المبلغ المودع لدى البنك المركزي وديعة إجبارية أو قرضا إجباريا، أو سميناه مالا ضمارا، وهو ذلك المال الذي يملكه صاحبه، ولكنه لا سلطة له في التصرف به، كالحسابات المجمدة، وكَمن دفن مالا في مكان ما ونسي مكانه، أو مال أخذه حاكم ظالم ولا سبيل للوصول للمال واستثماره، وهنا تفصيل الكلام في هذا الموضوع.
ولا يعني وجود بنك مركزي ربوي أنه يجبر البنوك الإسلامية على التعامل بالربا، فالبنوك الإسلامية تعامل بفصل خاص بها في قانون البنوك، فعلى فرض أنه في بعض الحالات يعطي البنك المركزي فوائد على بعض الودائع البنكية لديه، فإن البنوك الإسلامية لا تعطى فوائد ربوية على ودائعها، ولكن يمكن أن تتحقق العدالة للبنوك الإسلامية بتحرير المصرف المركزي شيئا من ودائعها لتستثمرها، وتجني ربحا مشروعا بدلا من الفائدة المحرمة التي تحصل عليها البنوك الربوية، ومثال ذلك أن يمول البنك الإسلامي الأردني صفقة وقود لشركة الكهرباء الأردنية بمرابحة تفضيلية مخفَّضة بضمان الحكومة، وهنا نكون قد حققنا عدة مصالح:
مصلحة البنك الإسلامي بالربح، ومصلحة لشركة الكهرباء الأردنية بسعر مرابحة مخفَّض في شراء الوقود، وحققت الدولة جزءا من واجبها تجاه مؤسسة حيوية من شركة الكهرباء تقدم خدمة مهمة، وتحيق جزء من العدالة في تحرير جزء من الاحتياطي لدى البنك المركزي ليحقق منه ربحا، حيث لا يمكن للبنوك الإسلامية أن تأخذ فائدة ربوية على ودائعها مثل البنوك التقليدية.
والبنوك الإسلامية ليست مثالية وهي بحاجة إلى إصلاح، وكثيرا ما يكون نقدنا للبنوك الإسلامية لأننا ننظر إلى كل ما له علاقة بالإسلام على أنه كمال وناصع البياض، ونحن لا نطبل ولا نهلل للبنوك الإسلامية وفي الوقت نفسه لا نهدمها ولا بد من الإنصاف، والإصلاح، ووضع الأمول في نصابها.
ثالثا: قياس الاحتياطي القانوني على مال الضِّمار:
فإن قلنا إن هذا الاحتياطي الإجباري ينطبق عليه وصف مال الضمار فيتضح عندئذ الأصل الذي ستبنى عليه الأحكام، وهذا أمر مهم وضروري وهو بيان أصول الأحكام الفقهية، فمن السهل على كل واحد أن يقول حلال أو حرام، ولكن عند الله لا بد من القول في الشرع ببينة ولا يجوز القول بالهوى، فالله تعالى عفا عن المجتهد في إصابة النتيجة، وله أجران إن أصاب وأجر واحد إن أخطأ في النتيجة، أما الخطأ في إصابة المنهج فالمجتهد غير معذور.
فشرط الزكاة عند الحنفية: تمام الملك: وهو الملك واليد، فالبنوك التجارية تملك احتياطياتها في المصرف المركزي، لكن الملك غير تام بسبب عدم قدرة اليد على تقليب المال بالتنمية والتجارة، وهناك مصلحة عامة يرعاها المصرف المركزي وهي الاستقرار النقدي التي تقضي بإلزام البنوك بوضع احتياطي إجباري لدى المصرف المركزي، وهناك مصلحة خاصة للبنوك بالاستثمار، وفي السياسية الشرعية إذا تعارضت المصلحة العامة مع الخاصة تقدم العامة بقدَرها، لأن الاستقرار النقدي ضروري لحصول التنمية والرفاه الاقتصادي، وعليه؛ فعند السادة الحنفية لا زكاة في الاحتياطي القانوني لعدم تمام الملك، والفقهاء لا يقولون رأيا محضا، بل هو ملتزمون بأصول علمية يبنون عليها أقوالهم الاجتهادية سواء بإيجاب الزكاة أم بعدمها.
وذهب الشافعية إلى أن مال الضمار فيه الزكاة، وبناء على ذلك، فإن البنك التجاري يملك الاحتياطات في المصرف المركزي فهي في ملكه وتزكى، وعند الحنابلة روايتان في زكاة مال الضمار إحداها مثل الشافعية وهي الأقوى والأخرى مثل الحنابلة.
أما المالكية، فقالوا يـُخرج الذي يستلم مال الضمار مرة واحدة لعام مضى، وكان هذا فعل عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وهنا لا يتصور تطبيق ذلك على الاحتياطي القانوني بصفة عامة لأنه احتجاز دائم من البنك المركزي من حيث أصله، ولكن يتصور مذهب السادة المالكية هنا في حالة لو أفرج البنك المركزي عن جزء من الاحتياطي القانوني لتقليل النسبة من الاحتياطي لغايات تنشيط الاستثمار، فعندئذ يتصور مذهب السادة المالكية بزكاة الجزء الـمُفرَج عنه فقط بنسبة 2.5% لسنة واحدة مضت، وإن استمر الاحتجاز للاحتياطي القانوني أعواما.
رابعا: نعمة تعدُّد الاجتهاد المعتبر:
وهنا نلحظ أن الفقه يقدم تعددا في الاجتهاد المعتبر حيث يعتبر هنا الشافعية هم المسارعون في إخراج الزكاة، وهو يحتلون المسرب الأيسر وهو الأسرع، ومذهب المالكية هو الأوسط، والمسرب الأيمن هو مسرب السادة الحنفية الذين لا يوجبون زكاة في مال الضمار أصلا، ولكنهم جميعا في اتجاه واحد هو اتجاه مرضاة الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم.
انتهى بحمد الله تعالى
Podcast: Download (Duration: 28:34 — 13.1MB)