تقلبات الفكر الديني المعاصر
تقييد جريمة الغلو في التكفير ضد مجهول
1-تكيُّفات الفكر الديني المعاصر مع الواقع:
أ-تقييد قضية التكفير ضد مجهول:
إذا كنت تتوهم أن إعادة قراءة النص الديني وتجاوز المذاهب المتبوعة سيستمر فأنت مخطئ، لأن الفتنة في الدين لا تدوم، فهدمك الشهادتين لجملة المسلمين بضلالة التكفير لن تستمر ، وما كنت تُعَجْعِج به على المنابر من تكفير المسلمين ورميهم بالشرك الأكبر قد انتهى، والآن أنت في مرحلة التأقلم مع الواقع الجديد، وتُخرِ ج لنا متحورا دينيا جديدا له خُوار، وهو أنك لا تكفر الأعيان، بل تكفر بالأفعال كترك الصلاة تكاسلا، لتقييد قضية التكفير ضد مجهول، مع أنك كنت تكفر رجلا ميتا، ولا تجيز الصلاة عليه، والميت لا يُسأل إن كان جاحدا أم متكاسلا.
ب-تقييد قضية الإيمان ضد مجهول:
كذلك حصل مع الإيمان الشرعي، فلم يعد المسلم هو المؤمن الوحيد، بل اشتمل الإيمان في آخر الزمان على من كذب من أهل الكتاب بالرسالة وقد وصلته صحيحة، وثبت ذلك بالكتاب والسنة الصحيحة، أي بنفس الطريقة التي كفر بها أهل السنة والجماعة، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، وقول عيسى عليه السلام فيمن زعموا أنه وأمه إلهين من دون الله (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، مع القول الباطل بفناء النار هدية مجانية للجميع.
ج-تقلبات الفكر بسبب تتبع المتشابهات:
فَلِم التعب في بيان بطلان غلوك وتكفير ك أهل الشهادتين وأنت الذي تهجُر أقوالك بعدما تديَّنت بها، وقمَعتَ بها الناس وقطَّعتَ أرحامهم، وأفسدت جماعتَهم، أليس من الأفضل أن يقال لك: رُد الباب وراك، وأرِحنا من تقلباتك ومتحوراتك الجديدة، لأن انتظار تبديلك لأقوالك الدينية في الكفر والإيمان والشرك والبدعة عندك مسألة وقت، أم أن بريق أفكار الغلو في التكفير تلاشى، ولم يعد مدهشا ودالا على التقوى والورع كما كان سابقا، أم أن التسامح الديني في الحداثة هو الذي أعاد تفسير النص الديني وتجاوز المذاهب المتبوعة، وأصدر صك غفران لجميع الأديان، وفناء النار مفاجأة جماعية تشبه الكاميرا الخفية.
2-قسوة الغلو وألم الانحلال أشد من مشقة التكليف:
أ-متحور المنزلة بين المنزلتين أم العدمية:
فأنت اليوم تتكيف مع الواقع الجديد، وتزعم أن تارك الصلاة كافر بالفعل، لا بالعين والشخص، وتُجري عليه أحكام الإسلام ظاهرا، ولكن كفره بالفعل يجعله خالدا في جهنم أبدا في الآخرة، ولم تحكم له بالإسلام فصار الأمر غاية في العدمية، لأنك لم تحكم بإسلامه أيضا، وتركت الباب مواربا للمنزلة بين المنزلتين، فأنت لم تقل بلفظها ولكنك تروج لمعناها بطريقة ضبابية مُلْغِزة، من أجل تقييد قضية تكفير تارك الصلاة ضد مجهول.
ب-هل يُصلّى على الميت بأثر رجعي:
فما مصير تكفير ك الموتى على الأعيان سابقا، وترك الصلاة عليهم، أم أنك ستصلي عليهم بأثر رجعي لأنك الآن تكفر على الأفعال لا الأشخاص بأعيانهم، ومع ذلك لم تصرح بأنه مسلم تحت المشيئة الإلهية أم لا، أم أن قسوة الغلو لم تعُد محتمَلة لك، ووصلت إلى الطريق المسدود، وأن عرس التجديد بسرد المتشابهات لم يعد مُغريا للجمهور، وأن قسوة الغلو هي كألم الانحلال بعد ارتكاب الكبائر، فكلاهما أمر لا يُحتمل،فيبحث صاحب الكبيرة عن مخرج من ألمه بالبحث عن التدين، كما يتأقلم المغالي في تكفير المسلمين مع الواقع الجديد، بعد أن رمَى جمهور أهل السنة بالإرجاء، لأنهم لم يكفروا تارك الصلاة بمجرد الترك،ولا يتبعون السرد القصصي للمتشابهات في هدم الشهادتين للمسلمين.
3-مخالفة السُّنة سبب الانقطاع:
أ-مشقة التكليف أهون من قسوة الغلو وألم الانحلال:
ألم تعلم بأن مشقة التكليف أهون من قسوة الغلو وألم الانحلال، وأنه يمكن الاستمرار على الشريعة مع مشقة التكليف، ولكن لا يمكن الاستمرار على الشريعة مع قسوة الغلو وألم الانحلال، وأن الغلو والانحلال يؤديان للانقطاع عن العمل، وصدق الصادق المصدوق-صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: (إن المنْبَتَّ لا ظَهْرا أبقى ولا أرضًا قَطَع).
ب-الغلاة مصيرهم الانقطاع:
فالانقطاع صاحَب مَن قطع طريق السُّنة، وقطع ما أمر الله به أن يوصَل، وارتكب مشقة قسوة الغلو وألم الانحلال، وكتب الله الدوام للسنة في المذاهب المتبوعة والمِحجة البيضاء التي تنكَّبها الغلاة بالتكفير والجفاة بالكبائر، وتنكُّب السنة سبب الانقطاع عن العمل، وليست محاولة الغلاة الركوب على المذاهب إلا بعد تأكُّد المحتفلين بعُرس البغل التجديدي، أن البغل لا يَلِد تجديدا ولا مفيدا، وانفض المولد من غير ميلاد ولا حمص، فلم يَعُد لعديم المذهب إلا إجراء تنفس مذهبي صناعي عاجل عن وركوب المذاهب والتزلج عليها ليحافظ على وجوده الهش، حقا ولدت الأمة ربتها.
التجديد الديني، الغلو في التكفير، الجماعات الإسلامية، الانحلال من الإيمان، أصول الاجتهاد، أصول الفتوى
المحجة البيضاء
الكسر في الأصول لا ينجبر
أ.د وليد مصطفى شاويش
عَمَّان/ الرباط
10-صفر-1446
16-8-2024