بعد فترة من التوحيد لجأ الإنسان البدائي للتدين خوفا من الطبيعة فاخترع معبودات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان، فلما فتح الله تعالى على عباده من مفاتيح العلم التجريبي، وعرّفَ اللهُ الإنسانَ على حقيقة هذه الطبيعة، وأتاح له تسخير الطبيعة -الإله المعبود سابقا- في خدمة الإنسان، نكص على عقبيه وبدَّل نعمة الله كفرا و(قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِى)، وظنوا أنهم قادرون على الدنيا ولا داعي للدِّين، ذَكَّرني صبيان الحداثة بصبيان الأمس، الذين كانوا إذا غضبوا من آبائهم حملوا ملابسهم الصغيرة وجلسوا أمام البيت معتقدين أنهم بذلك مستقِلين، حتى إذا خيم الظلام حانت ساعة الحقيقة ورجعوا خائفين من الغُول، أما صبيان الحداثة فقد قَلَّبوا لك الأمور، فسَـمَّـوا الظلام تنويرا، والتنوير الإلهي ظلاميةً، فأنى يهتدي صبيان الحداثة إلى ساعة الحقيقة التي اهتدى إليها صبيان الأمس.