بين تتبُّع المتشابه وهَجْر المُحْكم …ليس الخطأ في الكلي كالخطأ في الجزئي
1-الغلاة في فهم الحديث:
يتناول الغلاة هذا الحديث الشريف الصحيح على إطلاقه في جميع الاحتمالات في قتال الناس حتى يدخلوا في الإسلام، وقتال المسلمين لأنهم كفروا بالإسلام، هذا مع أن النصوص الشرعية شاهدة بوجود أناس لا يقولون “لا إله إلا الله” ، ومع ذلك تحرم مقاتلتهم، مثل الذميين الذين لهم عهد الله ورسوله، والمعاهدين والحربيين الذين أعطاهم الشرع الأمان، بقوله تعالى المُحكَم: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) 6، التوبة، مما يعني أن الحديث متشابه لا يُحْمل على كل الاحتمالات، على إطلاقه بإجماع المجتهدين، وهذا النص الأخير (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) غيض من فيض النصوص الشرعية المُحْكمة المخصصة والمقيدة للحديث الشريف المطلق باحتمالاته العديدة.
2-أما المتحللون الجفاة:
أما الجفاة فيسيرون بهذا الحديث مخادعين للغفاة يحملون الحديث على إطلاقه، ويزعمون أن الإسلام يُكْره الناس حتى يكونوا مؤمنين، بالرغم من الآيات المُحْكمة الواضحة، والنافية للإكراه على الإدخال في الدين، مما يعني أن الغفاة هم ضحية ضجة إعلامية مشترَكة بين الغلاة والجفاة، مُتعَامية عن بقية نصوص الشريعة المُحْكمات، ذات العلاقة بالحديث تقييدا وتخصيصا.
3-الغلاة والجفاة يتفقون في النتيجة:
بالرغم من تعدُّد طرق الانحراف في الفهم تحلُّلا وغلوا، فإن النتيجة واحدة، هي التشويش على النص الشرعي والتحلل منه بسبب هجران المُحْكمات، أما جَمْع الأدلة والنصوص الشرعية، فهو شأن العلماء الهداة، وواجب الهداة، هو إنقاذ الغفاة، من انحرافات الجفاة والغلاة، وخير وسيلة لكشف أنماط الغلو والتحلل هو البحث عن النص المحكم والنص المتشابه، وستجد أن الغلاة والجفاة معا، يتَّبعون المتشابه المحتمِل لوجوه عدة، ويهجرون النص المُحكَم القاطع لجانب الاحتمال والتردد.
4-إنَّ المُحْكَم لَبِالْمِرْصاد:
لقد صدق الله تعالى في كليهما، أعني الغلو والتحلل في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) 7، آل عمران، والمخصِّص قطعي في دلالته عند الأصوليين، وهو مخصِّص للعام المتشابه المحتمل للعموم والخصوص، مما يوضح أن الغلاة والجفاة متفقون في تتبع المتشابه، وهِجْران المحكم، وهذا من كليات ثنائي النَّكد الغلو والتحلل، أما الكلي عند الأصوليين، فهو رد المُتشابه إلى المحكم، وذلك بحمل العام على الخاص والمطلق على المقيد، وليس العكس.
5-أهمية المنهج الفقهي الأصولي:
وهذا يبرز المنهج الفقهي والأصولي في الاجتهاد، وأن عدم سؤال أهل الذكر بسبب حُمّى الإبداع المزيَّف، سيؤدي بالضرورة إلى نتائج كارثية في التدين، تنتهي إلى تفكيك المجتمع، وسبب ذلك عدم امتثال قوله تعالى بسؤال أهل الذكر (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)43، النحل، فتشابهت عليهم الأدلة، وخبطوا خبط عشواء في أدلة الشريعة، وأصبحت تناقضات الغلو والتحلل أشد فتكا بالمسلمين من أسلحة عدوهم، وتفرقوا في الدين، والفرقة في الدين من علامات الضلالة، والجماعة من علامات اتباع السنة، ومَن أصدق من الله قولا إذ يقول: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) 159، الأنعام، فإذا رأيت القوم يتفرقون في دينهم، والجماعة تفرخ الجماعات المتناحرة والمتلاعنة، فاغسل يدك منهم، فإنهم ليسوا على سنة.
الطريق إلى السنة إجباري
وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه
د. وليد مصطفى شاويش
3-3-2017
الجمعة المباركة
عمان المحروسة