خطورة الفصل بين الدين والمعرفة في الفكر الديني المعاصر  (قاعدة الفرق بين المقاومة والجهاد)

خطورة الفصل بين الدين والمعرفة في الفكر الديني المعاصر

 (قاعدة الفرق بين المقاومة والجهاد)

  1. تجيب هذه المقالة على سؤال: هل كلمة المقاومة مرادفة للجهاد والمعنى واحد، أم أن هناك خلافا في الأصول والمفهوم يؤدي إلى إشكال في التطبيقات والنتائج، حرصت في هذا الصباح أن أدون ما حضر وما غاب أكثر، فتأمل الفرق يرحمك الله، فإن الفقه هو أدراك الوفق والفرق بين المتشابهات، وفيما يأتي هذه الفروق:
  2. المقاومة حرب بين قومَين في نزاع على الأرض، وقد تكون بين عربي وكردي مسلمَين، أما الجهاد فلا يكون إلا مع الكافر، وليست الحرب بين أي مسلمَين جهاد البتة، مهما كانت الأسباب، وما جرى بين المسلمين من قتال وسُمي جهادا فقد سبقه الغلو في التكفير السياسي على طريق الولاء والبراء، وهذا  بسبب مركزية السلطة في الفكر الديني المعاصر، وفصل الشريعة عن الجهاد في فكرة لا يفتي قاعد لمجاهد.
  3. المقاومة تصح من الكافر والمسلم أما الجهاد فلا يكون إلا من المسلم
  4. المقاومة والقومية أشعلَت حروبا بين الشعوب الإسلامية، لأن العرب يحتلون أرض الأكراد، وحق الأكراد المقاومة، والأتراك يحتلون أرض العرب وحق العرب المقاومة، وهكذا فالمقاومة هي تشريع الحروب الأهلية بين المسلمين باعتبار الفكر القومي الفلسفي الدنيوي، وهذا خارج الشريعة.
  5. المقاومة محاصَرة بمركزية السلطة ومن يحكم بعد التحرير هم المقاتلون، وثوابهم  على  الحكومة ومن السلطة، أما الجهاد فهو في مركزية الأمة والشريعة،وأن المجاهدين أجرهم على الله، ولا يحق لهم أن يشترطوا أجرا من الدنيا والسلطة لأن الجهاد عبادة، والأمة هي صاحبة الكلمة ولها المركز.
  6. المقاومة لا تعترف بجهاد طلب العدو، لأنها في إطار وطني ضيق محبوس في العنصرية القومية ومبادئ القانون الطبيعي، أما الجهاد فهو أقسام:  فرض عين إذا فجأ العدو أرض المسلمين وبتعيين الإمام لأفراد الجيش يتعيَّن عليهم، ولو لم تكن الأرض محتلة في العرف الدولي،  فالجهاد بأقسامه فرض عين وكفاية يمتد أوسع من فلسفة الفكر الدنيوي في أرض الوطن وحق المقاومة بسبب الاحتلال، بل يتسع إلى  لم شمل الدول والشعوب في أرض الإسلام لأنه مستند إلى مركزية الأمة، ولا يتعبد الجهاد بخريطة سايكس بيكو، وإن تعامل معها على أنها واقع موجود لكن مركزية الأمة بلا حدود، أما المقاومة فهي تتعبد بخريطة سايكس بيكو  لنيل المشروعية، وشرطها الاحتلال، أما الجهاد فهو خارج ثنائية التناقض في المقاومة والاحتلال، ولا يمكن للمقاومة أن تستوعب مفهوم الجهاد شرعا.
  7. المقاومة مشروطة بالاعتراف بالقومية والاحتلال، أما الجهاد فلا يشترط فيه احتلال ولا عنصر القومية والعرق.
  8. المقاومة من مبادئ القانون الطبيعي، وأن الإنسان جزء من الطبيعة، وهي تعطي حق الاحتلال للغزاة باسم الحق في المنفعة، وحق المقاومة في الدفاع عن النفس، أما الجهاد فهو محكوم بشريعة عُلوية فوق الطبيعة، تتجاوز تناقضات المذهب الطبيعي بين حق الغزو  وراء البحار باسم المصالح وحق المقاومة باسم الوطن.
  9. نهاية المقاومة تحرير الأرض، أما الجهاد فواجب في العام مرة، ولو ساد الإسلام كل الأرض، لإعلاء كلمة الله ورحمته وفضله.
  10. المقاومة غايتها النهائية تحرير الأرض، أما الجهاد فغايته النهائية دخول الناس في رحمة الله أفواجا والفوز برضا الله تعالى.
  11. المقاومة له مرجعيتها في المنظومة الدولية، وفق ثنائيات القومية والوطن والاحتلال، أما الجهاد فأصله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو عابر للأقوام والعنصريات والحروب القومية التي أهلكت البشرية.
  12. المقاومة لتحرير القوم والعرق بصرف النظر عن إسلام الناس أم لا، أما الجهاد فهو من أجل الفتح غايته أن يدخل الناس في دين الله أفواجا ومغفرة الذنوب في الآخرة.
  13. في المقاومة الأرض هي غاية المقاصد، أما في الجهاد فأعلاها المقاصد منه حفظ النفس والدين، وتقديمهما على الأرض عن عند الترجيح.
  14. المقاومة تعمل في حقل دلالي مختلف: وهو الأرض، الوطن، الاحتلال، الحرية، القانون الدولي، أما الجهاد فهو مرتبط بحقل دلالي آخر، الإسلام والكفر، دار الإسلام ودار الحرب، الإمامة (الدولة) وما ينوب عنها، الفتح الإسلامي.
  15. المقاومة مكسب سريع وعاجل لا أثر له في الآخرة، أما الجهاد فأثره في الدار الآخرة أثر صالح باعتبار مقاصده الأخروية وهي مرفوضة في الفكر الحداثي الذي أنشأ المقاومة القائم على الدنيوية.
  16. المقاومة جزء من فكر غربي مُحدَث نشأة مع الحالة الاستعمارية، وتتحكم في شرعيته المنظومة القانونية الدولية والسلطة السياسية المهيمنة، أما الجهاد فهو منضبط في تعريفه وشروطه ضبطا موضوعيا في الشريعة، مع بقية الحقائق الشرعية، ولا يمكن التلاعب بها معرفيا داخل الشريعة، ولا يبحث عن مشروعية خارج مركزية الأمة والشريعة.
  17. في المقاومة يكون الإنسان خادما للأرض، وتكون الأرض أعلى قيمة من الإنسان فلا تعبأ قوى المقاومة بالخسائر البشرية مهما كانت، وتقامر بالشعوب من أجل القيمة العليا في الأرض والوطن، أما الجهاد فإنه يعتبر الأرض في مرتبة الوسائل، والإنسان والدين في مرتبة المقاصد، ولا يضحي بالمقاصد من أجل الوسائل، وإنّ حقن دماء المسلمين في الجهاد أحب إلى الله من سفك دماء الكافرين.
  18. بعد نجاح المقاومة في التحرير جرى إحلال الفكر الحداثي في الدولة والمجتمع والثقافة العامة، مع مسحة دينية، كما حدث نتيجة لحروب الاستقلال وتغوَّل الغزو الثقافي بعد ذلك الاستقلال العسكري، لأن حروب التحرير  تأثرت بالفكر القومي الأوروبي، وصارت الأرض في المقاومة هي القصد والشهداء والدِّين وسيلة فقط، ومركبة للوصول إلى السلطة بيد أبناء الوطن، وليس قيام الدِّين، أما في الجهاد فإن من علامات انتصاره العودة إلى مركزية الأمة والشريعة وظهور الدين وغياب العصبية المنتنة، لأن الأمة والشريعة كانت في رتبة المقاصد والأرض في رتبة الوسائل، وهي مصلحة عامة لجميع المسلمين، لا أن يصبح المسلمون غرباء في ديارهم.
  19. في المقاومة لا تفصيل بين الرجل والمرأة باعتبار المساواة، أما في الجهاد فالمرأة تقاتل استثناء في حالة فجء العدو فقط إن كان معها سلاح فيه نكاية، ولكننا في زمن تسجن المرأة في سجون الاحتلال ولكن يهتف الرجال ببطولة المرأة المسجونة في ملاعب كرة القدم، ولا يتحوط رجال المقاومة لخصوصية المرأة في قتال العدو، أما في الجهاد  بصفة عامة فلا يجوز  خروج المرأة للقتال إلا في جيش عَرَمرم تأمن فيه من الأسر ، لأن فيه ذلا للمسلمين، ومن العيب أن يهتف الرجال لبطولة المرأة المقاومة في الملاعب ونساء المسلمين أسيرات في سجون الاحتلال بسبب عدم مراعاة خصوصية المرأة، بينما يراعون خصوصية سيارة الإسعاف وسائقها بأنهم محايدون في القتال كما هو الشأن في العرف الدولي، مع أن تحييد المرأة المسلمة وحمايتها من الأسر  أولى من سيارة الإسعاف.
  20. إذا كانت المقاومة وطنية، فلا مانع أن تتحالف المقاومة مع قوة غازية أخرى، تحتل وطنا إسلاميا آخر، والمقاومة في الوطن الآخر تتحالف من أجل تحررها الوطني مع قوة غازية ثالثة، لغلبة الورقة الوطنية الجغرافية والقومية على ورقة الدِّين على طاولة السياسة، عندئذ تظهر حالة التخوين السياسي بين قوى المقاومة  على أساس الورقة الوطنية، بينما تعلن المقاومة ورقة الدين في مكان آخر لتحقيق مكاسب بواسطة الدين الذي أصبح وسيلة ولم يعُد مقصدا، فيُظهر له البلد الآخر  ورقة الوطن، وهذا  المفهوم للمقاومة والوطن أدخل العداوة بين المسلمين بسبب ثنائية القطيعة المفتعلة بين الوطن والدين، وأثر  ذلك سلبا على مركزية الأمة والشريعة، وهذا  يعني أن الاختلالات الواقعة بين الجماعات والدول هي اختلالات معرفية أصالة، نتيجة تطبيع الفكر الديني مع الحداثة، وليست المسألة اختلافا في التعبير، بل هي شقاقات على مستوى الكليات التي فرقت الأمة.
  21. المقاومة تعتبِر كل من يخالف اتجاهها السياسي خائن ولو كان مسلما حسن التدين، ومن معها يكون صادقا ولو كان غير مسلم، ويكون معيار الخيانة هو معيار المقاومة في الفكر الغربي وهو المكاسب السريعة والمؤقتة، بينما نجد أن مفهوم الخيانة في الشريعة هو خيانة الله الرسول، والشريعة هي التي تعين الخائن وليس الوطن الأصم الأبكم الذي ينطق باسمه الذين يتقاسمون تقاسم الغنائم بعد التحرير قسمة الطوائف.
  22. المقاومة تتشكل من كل الملل والنحل من المسلمين والكافرين على أساس المقاومة الوطنية، وبعد التحرير يتحول الوطن إلى المحاصصة الطائفية بين المسلمين وغيرهم، أما في الجهاد فإن الكلمة العليا لله ورسوله، وأن الأمة تعبد الله على أرض الوطن ولا تعبد الوطن على أرض الله.
  23. غالبا ما تسلك المقاومة مسلك خطاب الأغلبية العاطفي والقوة الإعلامية وحشد النصوص الشرعية والأخبار التاريخية وعالم الرواية ولكنها تعرض عن المصادر الفقهية المعتمدة للفتوى، لأن الروايات قابلة للتوجيه باتجاهات مختلفة، بينما ترى مصادر الفتوى أنها جامدة وتمثل رأي الفقهاء وتمارس التجاوز  عليها، أما الجهاد فهو يعتمد على علل الجهاد وتصوراته وأحكامه وفق المدوَّن في مصادر الفتوى في المذاهب المتبوعة.
  24. المقاومة يغلب عليها شخصية البطل والقائد وتخلو من التقييم الدائم على معيار الشريعة لغلبة الذارائعية لتحرير الأرض وتأثرها بالحالة الثورية أكثر من التزامها بالشريعة، أما الجهاد فهو  يقوم على التزام الشريعة وتتأخر شخصية القائد لإظهار  الحَمُولة العقدية والفقهية الإسلامية، لذلك عزل عمر خالد بن الوليد رضي الله عنهما خشية غلبة شخصية البطل على الإيمان والشريعة.
  25. المقاومة تتأثر بالحركية في الفكر الثوري الاشتراكي والمقاومة في الفكر  الغربي، والفكر الاعتزالي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وخلط الفقه بالتاريخ والتاريخ بالفقه ، أما الجهاد فهو خالص داخل قواعد أهل السنة في الإمامة والكفر والإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
  26. المقاومة تسعى إلى تحقيق مكاسب سريعة فيمكن في دعواتها أن تقطع حبلها مع الله وتدعو إلى الإضراب عن الفرائض ولاتبالي بالكبائر في مركزية الصراع على السلطة، فهي حالة ذرائعية تتجاوز الشريعة لمكاسب فئوية سريعة  على حساب مركزية الأمة، وصوت المنشِد فيها أعلى من صوت الفقيه،أما الجهاد فهو يرى أن ذنوب المجاهدين في السر أخطر من سلاح العدو، وأن حبل الله لا يمده الله إلا لأوليائه شعارهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، وهذه مشروعيتهم الأولى والأخيرة.

وختاما إن نصر الله تعالى ينزل على الجهاد تصورا وتطبيقا ونتائج، قال تعالى:   (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ومَن ركِب مَتْنَ عَمْياء خَبَط خَبْط عشواء.

توضيح بخصوص مقالتي في الفرق بين المقاومة والجهاد
أرجو ملاحظة أن الأصول تتقرر مجردة عن الواقع بل بناء على الأدلة الشرعية، وقد أكدت دائما أن الفكر الديني المعاصر ينتج التدين من الواقع، الأرض وسيلة هذا في الأصول، أما بالنسبة إلى المسائل المعينة فهذه تحقيق مناط لا تعيين مناط، ألاحظ دائما حالة الإسقاط على الوقائع أقوى من التجرد في إثبات أصول الشريعة، مما يعني أن ما يسمى فقه الواقع يلغي الشريعة وأصولها بناء على المكاسب السريعة والمؤقتة وهذا واضح في الممارسات الدينية، يعني أن الفكر الديني المعاصر هو ينتمي إلى الحداثة الواقعية، وهي التي اتهمت المذاهب المتبوعة ورمتها بالجمود لأنها لا تناسب الحركة والسرعة والتغير الذي يقوم عليه الفكر الديني المعاصر المتجاوز، لذلك أؤكد الوقوف مع الفقه والأصول وحمايتها بدلا من هدمها بفقه الواقع، وما حرصت عليه في مقالة الفرق بين المقاومة والجهاد هو إظهار أن الفكر الديني المعاصر خليط ومرتبك في المذهب الواقعي في الحداثة، وهذا يفسر بوضوح سبب انقلاب الجماعات الدينية المعاصرة على مقولاتها الأولى ومحاولات التكيف من جديد

المحجة البيضاء

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عمان أرض الرباط

11- شوال -1446

10-4-2025

1 thought on “خطورة الفصل بين الدين والمعرفة في الفكر الديني المعاصر  (قاعدة الفرق بين المقاومة والجهاد)

  1. أبريل 12, 2025 - غير معروف

    بارك الله بك يا فضيلة الدكتور, مقال رائع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top