سؤال الهُوِيَّة في زمن الغياب (على كرسي الاعتراف)

سؤال الهُوِيَّة في زمن الغياب

(على كرسي الاعتراف)

1-أيام الطيبين:

تظن أنني سأكتب مقالا عميقا في زمان السذاجة؟ كلا، لأن سخرية المعاناة أعمق من أي مقال، فقد كنتُ في زمان الطيبين أستيقظ على حديث أصحاب أبي وهم يفطرون من صحن واحد، مصري وعراقي وأردني سيامي غير قابل للفصل بالجراحة، أحدهما من شرق فلسطين،  والآخر  من غرب الأردن، لم أكُن أرَ  بين قلوبهم حدودا، ولا بين أجسادهم تضاريس طبيعية وهمية مخترعة رُسِمَت بالمسطرة والفِرْجار، ونشأْنا على : (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وسماع رياض الصالحين، وكتاب حياة الصحابة يُقرأ صباحا ومساء على مسامعنا وأحيانا على مدامِعِنا.

2-حدث معي في حوار الهوية:

بعد تخرجي في الجامعة، عملت في مؤسسة تقتطع جزءا من راتب موظفيها لصالح منظمة التحرير الفلسطينية من الأردنيين ذَوِي أصول فلسطينية، وبدأ الموظف بملء النموذج، ودار الحوار الآتي:

الموظف:  من أين أنت؟

وليد: أردني.

الموظف:  أين وُلدتَ

وليد: في مستشفى شارع السلط، محكمة قصر العدل حاليا.

الموظف:  دخيلك ريِّحني، في أي بلد؟!

وليد:   في عمَّان!

الموظف: أقصد أين وُلد أبوك؟!

وليد: في القدس.

الموظف:   يعني أنت فلسطيني لا أردني، فأشعرَني بالحَول في الجنسية، وهل أبو عبيدة سعودي، أما عبادة بن الصامت فلسطيني هناك حَوَل عام، وطرش معرفي يفرض علي هذه الأسئلة بلا معنى ، وكأنني أصبحت أمام أسئلة وجودية قلِقَة أخطر من سؤال الخلق الأول، وعلاقة الإنسان بالعالم، ومشكلة الشر في الدنيا، شعرت بانعدام الوزن، وفقدان الهوية والشهية، وهل أنا أشعر بالشبع أم بالجوع، بالبرد أم بالحر،  وجمَعتُ نفسي من جديد، ورَدَّ الله ليَ الكَرَّة عليه.

وليد: أنا أردني من أصل فلسطيني، فكيف لا أكون فلسطيينا أو لا أكون أردنيا؟!

الموظف:   بصراحة وبدون غَلَبة، أنت تقول: بَصَلَة أم إِبْصَلَة.

وليد: بَصَلة!

 الموظف:  واضح يا عمي! خصم على راتبك لمنظمة التحرير! والله يعطيك العافية، مع السلامة.

3-ولكنه ضحك كالبكا:

خرجتُ من عنده وأنا أقول، ماذا قال آنِفًا؟ هل أضحكُ أم أبكي؟! ولكن وجدت أن الجمع أولى من الترجيح، وأن مقولة شر البلية ما يضحك تجمعُنا فِعلا، فالضحك صحيح والبكاء كذلك، وبعد مدة عرفت أنهم يسألون الفلسطيني اللبناني لتحديد الهوية إياها: تقول بَنْدورة (بسكون النون وتفخيم الراء) أم تقول: بَنَدورة (بفتح النون وترقيق الراء)  مما يعني أننا في مسرحية سوداء يضحك فيها الجميع ويبكون في وقت واحد، فالسؤال محرج، وكأنه من أسئلة الوجود الأول، ومن قوته في الإحراج أن الجواب مُتنكِّرٌ  في أعماق طَنْجَرة البندورة بالبصل، التي تجمعنا في زمان الغيبة، وهي أيضا رمز وحدتنا وقوتنا، في العصر الطَّنْجِيري.

4-التحليل الرياضي وتحليل الهوية التائهة:

 وكلما قرأت مقالا أو شاهدت مقطعا عن سؤال الهوية، وكأنه أسئلة الوجود الأولى، فإنني أتعجب من المحلل الرياضي بين الشوطين الذي يوْهِمُني بأنه يحلل، مع أنه يجعل الفكر في الأقدام ويدس الأقدام في الفكر، يفكر  باللعب ويلعب بالفكر، مع أن أول تحليل رياضي رأيته ظنَنتُ أن المحلل يتحدث عن الميمنة والميسرة والقلب في غزوة مؤتة، وإذا به يتحدث عن الملعب، يحدُث ذلك في زمن الغياب، ومن سألك يوما عن عن الهوية، فحذِّره من الطائفية البندورية، والأجندات الخارجية للتيار الباذنجاني، وأكِّد له أن طنجرة البندورة تتسع للجميع، ونهضة طنجرة الضغط قادمة لا محالة، رغم أنف المشكِّكين، ولا تنس فاصل أغنية:  يا عمِّي يا بياع البصل…

سؤال الهوية، من نحن، نحن والآخر ، التسامح الديني، الدولة الوطنية، سؤال الانتماء، الدولة القطرية.

الروح المسافرة

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمَّان الرباط

15-ذي الحجة-1445

21-6-2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top