طريق طبخ رجال الدين داخل الإسلام
1-الدهرية وحل يبحث عن مشكلة:
أ-اختراع مشكلة وهمية:
حاول الدهرية (العلمانيون) أن يختلقوا أزمة الغرب بين سلطة الكنيسة والقيصر وسحبها على الخليفة والمذاهب العلمية في الإسلام، فادَّعَوا زورا أن الحديث والفقه والأصول كُتبت بتأثير من سلطة الأمويين والعباسيين، واخترعوا صراعا غير موجود فعلا بين سلطة دينية وسلطة سياسية، وعند اختراع هذه المشكلة الموهومة يصبح العالم الإسلامي بحاجة إلى التنوير الأروبي لتحديد مجالات الدين ومجالات السياسة والفصل بينها.
ب-المشكلة غير موجودة فعلا:
ولكنهم وجدوا أن أئمة الدين كانوا قائمين بالعلم والبيان مع الصبر على الضرب والأذى والحبس، ولم يكونوا في صراع على السلطة السياسية، ولا لهم سلطة دينية، فليس لهم إلا العلم والبيان في مركزية الأمة والشريعة التي هي قيد العدالة على السلطة السياسية وليست سلطة داخل السلطة، وعليه فلا حاجة للتنوير المشؤوم لعدم وجود سلطة دينية أصلا.
2-قَلب الفقه من العِلم إلى السلطة الدينية:
أ-الجماعات الدينية المتصارعة واختراع مشكلة غير موجودة:
وبعد هجوم الحداثة بثنائياتها الدكتاتورية وحكم الشعب، والعقل والدين، والعلم والطبيعة، والشعب والسلطة، وإسقاط الخلافة العثماينية، تشكلت الجماعات الدينية وتجاوزت المذاهب العلمية المتبوعة، وأعادت النظر في النص، وظهرت فيها الحركة العنيفة والانشقاقات الدينية المستمرة في ظروف تاريخية مشابهة لظروف التنوير في الغرب.
ب-الدين من مركزية الأمة إلى مركزية الصراع على السلطة:
وهي إن الجماعة الدينية قدمت هدية مجانية للحداثة عندما دخلت ساحة الصراع السياسي بوصفها سلطة دينية مدججة بصكوك الحرمان والتكفير بالحاكمية والولاء والبراء، والحكم على الناس في الأمور الأخروية بالإثم والفسق حسب رؤية الجماعة الفكرية، وأقامت الفرقة الناجية محاكم تفتيش للطائفة المنصور ة وقاتلتها قتال ردة، وبدعت السنن وراجعت علوم أئمة الدين لتنقية التراث مما علق به بزعمهم، وأحالت الشريعة إلى الجمهو ر حسب مذهب الدليل، وألغت ثنائية الاجتهاد والتقليد، وخرجت الشريعة من العِلْمية والأمة، إلى الرأي والرأي الآخر حسب رأي العوام، وصار الدين رأيا عاما سائلا وكل له دليله، وظهرت اللاأدرية الدينية والحيرة في عامة المسلمين مما شكل فراغا معرفيا يؤسس للشك في التدين نفسه.
3-إعلان الجهاد المقدس والصراع مع السلطة:
أ-مقارقة إجماعات أهل السنة بالتكفير هي ولادة السلطة الدينية:
وأعلنت الجماعة المتجاوزة الجهاد خارج سلطة الدولة، على الجماعة الدينية الأخرى، بل وعلى الدولة نفسها، ونزعت عن الدولة صفة الشرعية لأنها بحسب رؤية الفكر الديني المتجاوز للإجماع دولة مدنية كافرة بالحاكمية والولاء والبراء وهي الطاغوت، وصار الدعاة الجدد يمارسون سلطة دينية بديلة، ويُصدرون صكوك غفران وحرمان بالتكفير خارج إجماعات أهل السنة، وأُخرجَتْ الخلافات السياسية والاجتهادية من الظن والمصالح إلى القطع بالكفر والتخوين والإثم في الآخرة، وكأننا أمام رجال دين يقرؤون أحكامهم من اللوح المحفوظ والسر والمقدَّس، وقاتلَتْ الفرقة الناجية الطائفة المنصورة قتال رِدّة، ناهيك عن قلب الجهاد من قتال العدو المحارب إلى حالة ثورية داخل الإسلام على طريقة الباطني المعتزلي جمال الدين غير الأفغاني.
ب- السلطة الدينية استنساخ لتاريخ الغرب في التنوير:
وهذا يعني أن الجماعات الدينية المتجاوزة أدخلت صراع رجل الدين له سلطة مع سلطة الدولة، وما افتقده الدهرية في التاريخ الإسلام قدم هدية مجانية للتنوير الغربي لوجود سلطة دينية موازية للسلطة السياسية ومنازعة لها، وهذه هي مقدمة التنوير الغربي إلا أن نتدارك الأمر سريعا بالعودة إلى مركزية الأمة والشريعة.
الكسر في الأصول لا ينجبر
عبد ربه وأسير ذنبه
أ.د وليد مصطفى شاويش
عمان أرض الرباط
25- شوال -1446
24-4-2025