عندما يلبس الداعية القبعة والدهري العمامة …
إذن أنت في الطريق الثالث
1-لحظة انقطاع مؤلمة:
مع مطلع القرن العشرين شهد الفقه الإسلامي لحظة انقطاع معرفي قريبة شهدت لقب خاتمة المحققين، وكنت أظن أن هذه العبارة هي مدح في المؤلف وليست على حقيقيتها، ولكن إذا تأملنا ذلك نجده لا يخلو من الجدية حيث كانت نهاية الاجتهاد الفقهي في المذهب من قبل العالم بأصول مذهبه ورواياته وفروعه، مع علمه بالخلاف العالي، ونحن أمام ثلاثة أجيال بعد الانقطاع، دامت قرنا من الزمان.
2-الجيل الأول بداية عهد المثقف ونهاية الاجتهاد الفقهي المذهبي:
وكانت بداية عهد المثقف والمفكر الذي يعرف الاقتضاءات الأصلية في الشريعة، دون الاقتضاءات التبعية وتعيين مناطات الأحكام وأصول تحقيق المناط، فتراه يتحدث عن فقه الموازنات بدلا من قواعد التعارض والترجيح، وفقه الواقع بدلا من تحقيق المناط، أما تعيين المناط فهو ما عليه الفتوى فالفكر الجديد ليس معنيا بها بل قذف فيها بالغيب من مكان بعيد، فقال: هي جامدة، تخلو من الدليل، إلخ، وكانت ح الانفصال عن المذاهب المتبوعة هي حالة خلع ولادة ظهر في الأجيال التالية.
3-الجيل الثاني وُلد في التِّيه :
لم تستمر مرحلة المفكر طويلا، فقد حل محله الداعية الإسلامي الذي خلف المثقف في خطابته، والحديث عن الخطوط العريضة في الشريعة كالفتوى من سد الذرائع، ورعاية المصالح، وكرامة الإنسان، وأن الإسلام أنصف المرأة، وفقه الواقع، وفقه الموازنات، والجهاد حالة من التعبئة العامة بلا فقه، وذلك في حالة انقطاع واضحة، للأحكام العملية المستمرة على أصول المذاهب المتبوعة وفروعها.
4-الجيل الثالث نتاج صدام الفكر الإسلامي مع الحداثي :
في هذا الجيل ظهرت حالة خلع الولادة في الجيل الأول على شكل شلل عام في الجيل الثالث، وتخلى الجيل الثالث عن فكرة المغالبة والمفاصلة مع الغرب، وأناشيد المحنة، ونادى بحقوق المواطنة والوطنية وحقوق الأقليات والمرأة، ونادت بعض الجماعات بفناء النار عربون محبة للمشركين، مع إنشاء جمعية زمالة الكافرين للنجاة من النار مع أنهم بلغتهم الدعوة الصحيحة وجحدوا بها، أما الحداثيون فقد اعتَمروا عمائم التفسير وشرح السنة التي تتوافق مع آراء الجيل الثالث من الفكر الإسلامي الذي قام على إعادة النظر في النص وتجاوز المذاهب المتبوعة، وقد أكدت مرارا أن البغل لا يلد، والنهاية هي الطريق الثالث المشترك في مركزية السلطة بين قبعات الدعاة وعمائم الدهرية.
الكسر في الأصول لا ينجبر
عبد ربه وأسير ذنبه
أ.د وليد مصطفى شاويش
عمان أرض الرباط
27- شعبان -1446
26-2-2025