فقه الجهاد القائد يقود الأمة بحسب إيمانها لا بحسب إيمان القائد

فقه الجهاد

القائد يقود الأمة بحسب إيمانها لا بحسب إيمان القائد

1- يقين القائد خاص به لا يبنى عليه القرار:

الأصل أن يكون الإمام هو  أعظم هذه الأمة يقينا بالله تعالى، ولكن لا يجوز  أن يضع القائد عزمه ويقينه بالله محددا لاتخاذ القرار السياسي، بل يقود الأمة بمستوى إيمانها لا بمستوى إيمانه هو، وإذا كان هو يرغب بالشهادة فهو فرد ولا يجوز أن يتعامل مع الأمة على أنهم مشاريع شهادة، ولكن على الجميع أن يكون مستعدا للشهادة، وعلى الإمام أن يقود الأمة بما يحفظ بقاءها لأن فوات النفوس يعني فوات من يتعبد.

2-ينزل النصر  بحسب يقين الأمة لا يقين القائد:

أ-يشهدلأصل حفظ بقاء الأمة في دينها ونفوسها بيان النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر (اللهم إن تَهْلٍك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض)، مع أن الله تعالى وعده إحدى الطائفتين، ولم يشُكَّ في نصر الله له، ولكن كان خوفه من ضياع الاستحقاق بالنصر ،لو  اختلفت قلوب أصحابه، فقد كانت نتيجة المعركة على ثباتهم ويقينهم.

 ب-فالمعول في النصر على يقين الأمة وجيشها، وليس على يقين القائد، ولو كان القائد نبيها صلى الله عليه وسلم، وهذه هي مركزية الأمة والشريعة لا مركزية السلطة والقائد.

ولما تغير حال الأمة في حنين إذ أعجبتهم كثرتهم وأحد انشغلوا بالغنائم هزمت وفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى الخطيب أن يكف عن السرد القصصي والعيش في كهف الإعلام ومعسول الكلام.

ج-العقوبة في الدنيا تعم الأمة والأجر في الآخرة يخص الأفراد:

لا يعني أن بيننا الصالحين وأهل الفضل سواء في القيادة أو في جماعة المسلمين، ونعتقد أننا سننتصر ، ثم نعالج الأزمات الدولية بالابتهالات الدينية، مع أننا غارقون في مستنقع الكبائر، فالعقوبة الإلهية في الدنيا على مجموع الأمة، وأما الجزاء الأخروي فعَلى الأعيان والأفراد، وإن أصوات الدعاء القادمة من مستنقع الكبائر  والإصرار على الحنث العظيم وتهوين أوامر الشرع هي من العدوان في الدعاء قال تعالى:  (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).

3-مهمة القائد تحييد العدو  في السلم والحرب:

أ-تحييد العدو  سلميا في أهل الكهف:

كما أن حفظ الدين والنفس يكون بتحييد الأزمة سِلْميا كما  في فتية الكهف (إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا)، فهؤلاء الفتية الذين جعلهم الله قدوة لنا حيَّدوا الحرب وحافَظوا على الدين والنفس بالإيواء إلى الكهف حيث لا توجد أمة مساندة من وراء ظهورهم.

ب-تحييد العدو عسكريا في بدر ومؤتة والخندق:

خاض النبي صلى الله عليه وسلم معركة بدر مستندا للأمة مِن ورائه في المدينة (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، وكذلك انحاز الصديق إلى المدينة التي هي الأمة عندئذ، وإن أصل حفظ الدين والنفس، عليهما مدار الحرب والسلم، وليس للقائد أن يغامر  بالناس بناء على حاله الخاص مع الله تعالى، فكما أنه لا يقضي على الناس بعلمه، وأن على الإمام في الصلاة أن يؤم الناس بأضْعفهم، فكذلك الإمام في السياسة فلا يجوز له أن يحمل الكافة من المسلمين على حال الخواص ودعاء الصالحين، ويحمل الناس فوق مستوى إيمانهم، لأن في ذلك فتنة العامة في الدين والدنيا، وضياعا لضروري حفظ النفس والدين.

4-المحجة البيضاء في أصالة الفقه وتبعية السياسة:

أ-ما ذكرته لك هو بيان أن الإمام في السياسة والقيادة لا ينبغي له أن يحمل الناس على حاله الخاص من اليقين والتوكل، بل باعتبار حال العامة وجمهور الناس، ويحمل الناس على الوسط بين الإفراط والتفريط، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم مع العموم في خروجه إلى أحد مع أنه رأى في المنام أن حصنه في المدينة وأن أصحابه يقتلون في قوله (رأيتُ كأني في دِرْعٍ حصينةٍ ، ورأيتُ بقَرًا تُنْحَرُ)

 ب-فلم يحمل الأمة على رؤياه وحاله الخاص في مسائل الإمامة، مع أنها وحي خاص به ولكن الحرب شأن الأمة واختارت الخروج لأحد وشرع لها نبيها هذا الأصل، كذلك لم يحمل الأمة على الوحي الذي شهد على المنافقين بالكفر، ولكن طبق عليهم أصول البينات في القضاء، لأن الوحي ليس بينة قضائية،  ومن هذا في الشرع الكثير  ما يجعله أصلا من أصول الشريعة، في أن القائد يسوس الأمة بحالها لا بحاله وخاصة نفسه.

5- قَلَّبوا لك الأمور  بين يدي الساعة:

أما اليوم فلم تعُد الإمامة على وجهها وسُنتها الأولى في المحجة البيضاء، ولم تعُد مركزية الأمة والشريعة باقية، بل تحولت الجماعات الدينية إلى مركزية السلطة، وأعادت النظر في الفقه الثابت المستقر ورأته جامدا لا يناسب الحركة والسرعة والتغير الذي تتطلبه الجماعة، وصار الولاء والبراء والطعن بين الجماعات في الخلافات السياسية، وقلبوا لك الأمور، فما هو ثابت غيروه وما هو  متغير عادَوا عليه بالولاء والبراء ، وها أنذا أقدم لك محجة بيضاء في فقه القيادة والأمة ليس من باب السِّير بل من الفقه المستمر ، لاسترداد مركزية الأمة وتبعية السلطة، وإخراج من شاء من الجماعات من ضيق السلطة إلى سعة الأمة.

المحجة البيضاء

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عمان أرض الرباط

9- شوال -1446

8-4-2025

1 thought on “فقه الجهاد القائد يقود الأمة بحسب إيمانها لا بحسب إيمان القائد

  1. أبريل 11, 2025 - عمر شمس الدين الجعبري

    شيخنا اسمح لي التعليق على المقال وليتسع لي صدرك ولا تبخل علي بتوجيهاتك لي في ذلك وأخذي على قدر فهمي المتواضع:

    – القائد يقود الأمة بحسب شرع الله نصا أو اجتهادا كلا بحسبه.

    – القائد منوط به أن يشاور أهل المشورة في الأمور الاجتهادية، ولا اجتهاد في مورد النص وإنما السمع والطاعة والتنفيذ والمباشرة.

    – من واجب القائد في الأمور الاجتهادية أثناء المشورة عدم إنزال الأمة على رأي ما حتى يرى استعدادهم لتحمل عبئه وتبعاته، فيجوز له التعامل معهم كمشاريع شهادة لما يكونوا مستعدين لذلك، ويجوز له ذلك كذلك حتى لو لم يستعدوا في الأمور التوقيفية غير الاجتهادية.

    – فتية الكهف ليسوا قدوة أو مقياسا لأهل غزة للفارق بينهما، فمن ذلك وجود القوة المستطاعة والصائل المحتل.

    – قياس الإمام في السياسة على الإمام في الصلاة من حيث التخفيف مراعاة للضعيف فيه فارق العبادات والمعاملات والتوقيف والاجتهاد والائتمام والاقتراح، وفتنة الدين بتسلط الكافرين أشد وقعا وأكبر أثرا من فتنة القتل على الأمة استراتيجيا.

    – الوحي نصا أو رؤيا قد لا يكون صريحا، وقد يكون إخبارا لا إنشاء، وقد يكون مجرد تحذير عند وجود موانع من التغيير، فيكون لذلك كله فيه اجتهاد، كما تشاور النبي ببدر مع الصحابة رغم الرؤيا فنزل على استعدادهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top