قاعدة الفرق بين الفتنة وبين صراع الحق مع الباطل (جهاد الدفع الذي هم فيه مختلفون)

 

قاعدة الفرق بين الفتنة وبين صراع الحق مع الباطل

(جهاد الدفع الذي هم فيه مختلفون)

تمهيد: فكر التحيز  والصعود على السطح:

منذ أن حصل الخلاف بين الجماعات الدينية فيما يجر ي من حرب إبادة على غزة، فمن السهل عليك أن تكون في أحد الجانبين، ولكن السؤال الأكبر هو لماذا هذا الشقاق، مما يعني أنك لا تنخرط في الخصام، ولكنك  مضطر إلى الصعود على السطح لرؤية المشاجرة من الأعلى لمعرفة سبب هذا الخلاف؟

 أولا: الفتنة ترجيح بين خير الخَيْرَين وليس بين الخير والشر

لا تظن أن الفتنة حرب بين حق وباطل، فلم تكن حربُ علي رضي الله عنه مع الخوارج فتنة، بل كانت بين حق وباطل، ولكن الفتنة هي أن يكون كل من الخصمين معه بعض الحق، كالحرب بين  علي ومعه المبشرون بالجنة، ومعاوية ومعه المبشرون بالجنة أيضا، رضي الله عن الجميع، إن هذا لهو البلاء المبين، فهنا تطيش العقول في الفتنة، لأن الترجيح ليس بين الحق والباطل، ولو كان كذلك لكان سهلا، ولكن الترجيح هو بين خيرِ الخَيْرَين، وشرِّ الشرَّين، فأنى لك أن ترجِّح بين أمرين كلهما خير، وأن ترجح بين أمرين كلهما شر، نعم الفتنة عدم القدرة على الترجيح بين الخيرين ، التي يعرفها العلماء إذا أقبلت، ويعرفها الجميع إذا أدبرت.

ثانيا: غزة التي هم فيها مختلفون:

ستسألني: وهل خلاف الجماعات الدينية في غزة من الفتنة أم من الصراع بين الحق والباطل، أقول لك: ليس من هذا ولا ذاك، لأن الجماعات الدينية تسابَّت وتلاعنت وضلل بعضها بعضا، وهذا يعني أنهم يشهدون على أنفسهم أنهم ليسوا في ترجيحٍ بين حقين اختلفوا فيهما، ولو كان الترجيح بين حقين لعَذَر بعضهم بعضا، كما أنه ليس خلافا  بين شَرَّيْن، لأن كلا منهما يتمسك بأصل من أصول الشريعة، فمنهم من يتمسك بوجوب الجهاد ومنهم من يتمسك بالحفاظ على الدولة ولكن يهدم بها الأصل الآخر، وهذان أصلان شرعيان، ولا ترجيح بين أصول الشريعة القطعية وجوب الجهاد وحماية الدولة معا، فلا هذه الجماعات في الفتنة، ولا هي صراع بين حق وباطل، لأنها لم تجمع بين حماية الأصْلَين الدولة والجهاد. 

ثالثا: فماذا بعد ذلك:

1-كيف يعرف الحق من شهد على نفسه بتجاوز الأمة:

هؤلاء المتجاوزون للمذاهب المتبوعة جميعا، شهدوا على أنفسهم منذ النشأة الأولى للجماعة أنهم سيعيدون النظر في النص الشرعي، مع أنهم تجاوزوا المذاهب المتبوعة، وليسوا مجتهدين ولا هم قلدوا المجتهدين، ولا تُعلم الشريعة إلا بالمجتهد أو بتقليد المجتهد، وهم ليسوا هذا ولا ذاك، إلا بقية من أتباع المذاهب، وهم النزوع من القبائل والقلة من الناس، وصار التدين رؤية فردية حسب ما يسمى بمذهب الدليل، وصار التدين ورأي عديم المذهب رأيا عاما، ولم يعد اجتهادا علميا يستمر  على المذاهب المتبوعة.

2-انقطاع في حكم جزئي لا في الشريعة:

 وأما الحالة العامة في الجماعات المتجاوزة فهي انقطاع عن الشريعة في هذه المسألة بعينها لعدم تحرير  معنى جهاد الدفع مع إسرافها في سرد أحكامه، ولا أقول انقطاعا عاما في الشريعة، ولكن كان يجب على المتجاوزين للشريعة أن يعودوا للأصل الشرعي هو عدم الحكم إن لم يتبينوا، حتى يثبت البيان الإلهي، بدلا من لعن بعضهم بعضا، وإن استعجالهم التلاعن وهو من التفرُّق في الدين الذي لا يمكن أن يكون على سُنَّة، ولو أنهم إذا جاءتهم المحجة البيضاء في المذاهب المتبوعة ظهرت البينة، وعندئذ جاء الحق ودمغ الباطل فإذا هو زاهق.

رابعا: هات واقعة تثبت ما تقول:

1-تحرير معنى جهاد الدفع قبل الحكم عليه:

جهاد الدفع الذي تنابز فيه الدعاة بالألقاب وأسرفوا في أحكامه وتفصيلاته، ولكنهم لم يحرروا حقيقته في مصادر الفتوى في المذاهب المتبوعة، لأنهم تجاوزوها أصلا، وأحَلُّوا محلها فكر الجماعة وما تحتاجه من السرعة والحركة والتغيير،  وهذه سِماة لا يناسبها المذهب الفقهي المستقِر  علميا، بل هو الذي تتهمه الجماعة المتجاوزة بأنه جامد وخالٍ من الأدلة بزعمها، وقد حررتُ في مقالاتي جميعا الجهاد أحكام فرض العين والكفائي وجهاد الدفع من أمهات كتب الفتوى، والجهاد كما هو في نفسه، وليس من كتيبات الجماعات الدينية المتجاوزة ومقالاتها، وحسْبُ مَن شاء الاطلاع عليها أن يرجع إلى الموقع الرسمي ويبحث عن كثير منها.

2-التلاعن هو بسبب انقطاع الحكم الشرعي لعدم تحرير  حقيقة جهاد الدفع:

لذلك أؤكد أن الصراع القائم بين الجماعات الدينية المتجاوزة في نفسها، وبينها وبين الدولة من جهة أخرى  هي من نتائج فكر التجاوز  وإعادة النظر في النص، الذي أعاد تشكيل عديم المذهب وهو المسلم الأخير، وهذا انقطاع معرفي في مسألة الجهاد التي بين أيدينا، وهذا الانقطاع عن الحكم الشرعي مشكل مع تجاهل وجود المعتمد في الفتوى في مكتبات الدعاة أنفسهم، خصوصا بعد ظاهرة التعافي للأمة بالعودة إلى عمل الأمة بالشريعة في المذاهب المتبوعة المستمرة منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم، ووصل ما أمر الله به أن يوصل.

خامسا: انظر أسفل قدميك: 

إن خلاصة هذا الشقاق أنه بسبب انقطاع الفقه في هذه المسألة بعينها عند الجماعات المتجاوزة، فإن كانوا رجعوا إلى سبيل الأمة في مذاهبها المتبوعة وعينوا الأحكام قبل تنزيلها على محلها في الواقع، ثم ذهبوا لمحل الحكم وهو جهاد الدفع الآن، اتضحت السبيل واستقامت لهم الطريق.

1-تحقيق مفهوم الدولة الحديثة:

ولكن ستظهر أزمة فكرية عند الجماعات الدعوية حول فهم الدولة الحديثة ، فقد اختلفوا في شرعية الدولة قبل الخلاف في مشروعية الجهاد كما هو الحال في فتاوى إغلاق المساجد في كورونا، ولم يكن عندئذ جهاد دفع ولا طلب، مما يعني أن المشكلة المعرفية في مسألة إذن الإمام أو منع الإمام أيضا يسبقها سؤال مشروع هو: هل الدعاة اليوم حرروا مفهوم الدولة في حالها القائم وليست الحالة المتخيلة تاريخيا، وهل فرقوا بين التاريخ والفقه؟ أم ما زال الأمر مضطربا بين هذه الجماعات، عندئذ يتسع الخرق على الراقع، والحديث عن جهاد الدفع دون الإقرار  بمشروعية الدولة يصبح من وضع العربة أمام الحصان، وتصبح الأمور  غامضة عندما تحمل الجماعة فكرة الطاغوت تحت الطاولة، والوطنية وطاعة ولي الأمر فوق الطاولة.

2- بطلان دعوى تحرير فلسطين تمر  بإسقاط دول عربية:

 ومشكلة أخرى أن الدعاة أطلقوا دعوى أن تحرير فلسطين يمر بإسقاط دول عربية أولا، فهل السؤال هنا، هو في إذن الإمام بجهاد الدفع، أم إسقاط الدولة إن لم يأذن، وعندئذ يتحول جهاد الدفع إلى حرب أهلية، ويتحول الجهاد من حرب على العدو إلى ثورة داخل الإسلام؟! وتنجو دولة العدو، وتتحول الشعوب من تحرير فلسطين إلى جماعات بشرية تبحث عن الطعام والخيام.

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عمان أرض الرباط

29- شوال -1446

28-4-2025

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top