لغز  فقه الواقع هل الفقه مهيمن على الواقع أم يؤخذ من الواقع

لغز  فقه الواقع

هل الفقه مهيمن على الواقع أم يؤخذ من الواقع

1-الحكم الفقهي من أدلة الشريعة لا من واقع الطبيعة:

الحكم الفقهي يستنبط من أصول الشريعة المتعالية على الواقع، لأنها جاءت لإصلاحه، وليست جزءا منه، لذلك يكتمل الحكم الفقهي بعلله وأحكامه وأسبابه وشروطه وموانعه قبل البحث في الواقع، وهذا معنى أن الفقه مستمر  كما هو  في تحريم الربا والخمر وصحة البيع بشروطه، وهكذا في جميع الأحكام، ونلاحظ أن أصول الشريعة وأدلتها مكتملة بلحاق النبي صلى الله عليه وسلم بربه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، وفي هذا الاستنباط يكون المجتهد في الفقه لا يحتاج معارف أخرى كالطب والفلك لاستنباط الحكم الفقهي، بل يحتاجها لتنزيل الحكم وتصور  المسائل المتخصصة.

2-الفقيه يستعين بالخبرة في تنزيل الحكم لا في إنشائه:

وبعد المرحلة السابقة تأتي مرحلة تنزيل الحكم على محله في الواقع، وهذا يحتاج خبرات متخصصة ودقيقة، وبما أنه يستحيل في العادة أن تجد مجتهدا في الفقه وفي الفروع الأخرى من الطب والهندسة والفلك والمالية والمحاسبة والإدارة، فإن الفقيه يستعين بالبحث النظري من بقية المختصين لتحقيق المناط هو تنزيل الحكم على محله، وهذا البحث النظري كالخبرة التي يحتاجها القاضي فلا يمكن أن يكون خبيرا مجتهدا في كل فروع العلوم، وهذا هو تحقيق المناط، وليس فقه الواقع يؤخذ من قراء الصحف ومتابعي اليوتيوب والقنوات الفضائية، ويتوهمون أن فقه الواقع هو الثقافة العامة.

3-متاهة الفكر الديني المعاصر في فقه الواقع:

عندما يقول أحدهم إن المفتي يجب أن يكون عالما بفقه الواقع حتى يفتي، فهذا خطاب أغلبية غامض لا يحمل حقيقة، لأن العلم بالواقع يستحيل أن يعلمه واحد وأن يكون مجتهدا في كل فروع العلوم، بل الفقيه يحتاج إلى خبرات مؤسسية يجتمع فيها الخبراء للإدلاء بتوصيف نظري لمحل الحكم الفقهي، وليس لغز  فقه الواقع ، إلا حالة إعلامية ملتبسة ليس له أركان ولا شروط ويوهم   بخطاب ديني مفرغ من الفقه والواقع معا، فيتحول الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  إلى حالة خطابية إعلامية صحفية تشفط الواقع ثم تضخه في الإعلام مدعوما بالمتشابهات،  لا هي فقهية ولا واقعية، بل مفرغة من كليهما.

4-نهاية خطاب السعادة وبداية  الفراغ:

 لذلك نجد الواقع مليئا بخطاب السعادة، بلا حقائق شرعية ولا علمية مُعينة في توصيف محل الحكم، وتبني مجتمعا سُنِّيا متماسكا، بل اللغز  محير محا تحقيق المناط الأصولي الواضح وحل محله،  وأصبح الناس لا يدرون ماذا يفعلون بهذه الفتاوى الفراغية التي لا تحمل تكليفا، ولا بد يوما أن ينتهي خطاب السعادة الذي عاش على برق بلا مطر ينفع الناس، ويتساءل الناس: شبِعْنا عواطف، ماذا نفعل الآن؟ حينها يدرك خطاب السعادة أن وجهه صار  إلى الحائط الحقيقة، ويتحول المجتمع إلى الفراغ والفوضى وعدم الثقة بالزيف المقدس، وقد يظن أن خطاب السعادة القاصر هو الدين فتصبح رد فعلهم على الدين نفسه، ولكن على الناس أن لا يحملوا وزر  الزيف المقدَّس للشريعة، حقا ولدت الأمة ربتها.  

فقه الواقع، التجديد الديني، تحقيق المناط، أصول الاجتهاد، شروط الاجتهاد، خطاب السعادة، الخبرة في الفقه الإسلامي.

المحجة البيضاء

الكسر في الأصول لا ينجبر

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمَّان/ الرباط

2-صفر-1446

8-8-2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top