تمثل رتبة الجَدَلي رتبة بحث علمي يستطيع فيها الجدلي أن يبين فروع إمامه مع الدليل، وقادرٌ على جواب المذاهب الأخرى في اعتراضاتها على مذهبه، وهذه رتبة دون الاستنباط والترجيح، وليس للجدلي أن يبطل المذهب الآخر ولا مذهب إمامه، فالجدلي في حالة بحث دائم عن علم الإمام المجتهد دون استبداد بالرأي، لذلك كانت رتبة الجدلي حالة بنائية حارسة للعلوم الشرعية، ثم خلفت خُلوف لا يعرفون رتبةً لمجتهد ولا حُرمةً لمرجح، يأخذون من أقوال المجتهدين ويردُّون، وليس لهم رتبةٌ في فقهِ أخْذٍ ولا أصولِ ردٍّ، يستكثرون من المتشابهات في حالة من سيولة الشريعة، والرأي والرأي الآخر، وليس ما يسمونه ترجيحا أو إبطالا للمذاهب المعتبرة إلا شكلا من أشكال التنمية البشرية، ودروسا في تحقيق الذات، وحالة من تضخم الأنا، وقد كان لهم في رتبة الجدلي فسحة، لو أحسنوها لخدموا الشريعة خدمة جليلة، بدلا من الاستبداد بآرائهم تحت شعار: كلٌّ يُؤخذ من قوله ويُرد، فهذا حق المجتهدين في النظر، وليس في دورات التنمية البشرية.