مركزية الفقه أم مركزية السلطة
1-مركزية الشريعة أم مركزية السلطة:
تظن بعض الجماعات الإسلامية أننا في الفترة المكية لانعدام الدولة، وهذا بناء على فكرة مركزية الدولة في الفكر الديني المعاصر، وليس مركزية الشريعة، لأن مركزية الشريعة لا تُسقط أي خطاب من خطاباتها إذا كان في حدود القدرة والاستطاعة في مجال الدولة أو الفرد، ولذلك كانت الشريعة تسترِد الخلافة التي سقطت بعد سقوط بغداد لمركزية الشريعة عند الفقهاء، ومحافظة الفقهاء على إقامة التكاليف، حسب الطاقة حكاما ومحكومين، أما السؤال الكبير اليوم أين مركزية الشريعة اليوم؟
2-عديم المذهب يؤسس لتاريخانية الشريعة:
إن استيلاء المثقف الديني على دور الفقيه، وإقصائه المذاهب السنية المتبوعة بدعوى جمودها مع أنها هي التي أسَّست للإمامة العظمى والدولة والجهاد والعبادة، وكيفية التعامل في حالة ضعف الدولة أو انقطاعها، أو ظلمها وفسق حاكمها، فهذه المذاهب خير من دور عديم المذهب، الذي ينظر إلى الفترة المكية أنها حقبة تاريخية، بناء على أن الأمة في مرحلة كفر الدولة أو انعدام الدولة الإسلامية، متناسيا أن أحكام الفترة المكية مستمرة في العزائم الماضية إلى يوم القيامة، وأن الفترة المدنية وضعت على سبيل التخفيف وضعا عاما للناس، وهي سارية إلى يوم الدين، وأن قواعد الكفر والإيمان في المذاهب المتبوعة تحفظ دين الأمة دولة وشعبا ولا تهدمه على النحو الذي يقوم به عديم المذهب.
3-عديم المذهب من التجاوز إلى التمهيد لتجاوز التجاوز:
-وقد اعتبر الإمام الجويني، عمل الأمة بالشريعة على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى هي مرحلة المجتهدين الذين مضى عمل الأمة على مذاهبهم، ثم مرحلة نَقَلة المذاهب العالِـمِين بأصول اجتهاد أئمتهم، ثم مرحلة ثالثة، وهي الحكم بالعلل والقواعد العامة دون الدراية بمذاهب الأئمة المتبوعين، لانقطاع نَقَلة المذاهب.
-ولكن لم يطلع الجويني على ظاهر ة عديم المذهب اليوم، الذي اختار العدمية ونقَض عمل الأمة في المذاهب المتبوعة مع إخوانه المستشرقين يدا بيد، ثم إسقاط مركزية الفقه، وإحلال مركزية السلطة ورأي الشيخ بدلا من المذهب، لأن الأئمة غير معصومين، فعديم المذهب هدم المرحلة الثانية، ولم يبلغ الثالثة، بل هو متخبط مضطرب في الكفر والإيمان فكيف بالفقه؟! ومرحلة التجاوز التي قام بها عديم المذهب لا تمثل اجتهادا فقهيا، بل هي رؤى فكرية إعلامية تعبر عن أصحابها، وهي تؤسس للحداثة الصريحة في تجاوز التجاوز، حقا ولدت الأمة ربتها.
الكسر في الأصول لا يَنْجبِر
عبد ربه وأسير ذنبه
أ.د وليد مصطفى شاويش
عَمَّان الرباط
3-ذي الحجة-1445
10-6-2024