مقال للمناقشة تعيين الجنس شرعا والبحث النظري في الطب

مقال للمناقشة

تعيين الجنس شرعا والبحث النظري في الطب

تمهيد: الحكم الفقهي من الشرع والبحث النظري من الطب:

1-البحث الشرعي في تعيين الحكم:

أ-تعيين المناط النوعي:

عين الشارع أحكاما للأنثى وأحكاما للذكر، وكان التمييز بين الذكر  والأنثى بناء على المظهر  الخارجي، وهو الأعضاء التناسلية الخاصة بالذكر  أو الأنثى، وعلى فرض الاشتباه في حالات التشوه الخِلقي بأن يولد الطفل بالعضوين المذكر والمؤنث، فيرجح بينهما أيهما الحقيقي أو الزائد بعمل العضو ، وأبرز  ذلك من أيهما يبول، فالذي يبول منه هو  الحقيقة والآخر زائد، فإن استمر الاشتباه وتعذر الترجيح يسلك معه مسلك الاحتياط، فعتبر مع النساء ذكرا، ومع الذكور امرأة، ولا شك أنها غاية في الندرة والوقوع.

ب-الطب يبحث في محل الحكم:

وخلاصة الحكم الفقهي هو تعيين الجنس تبعا لحقيقة العضو العامل ذكريا أو أنثويا، ثم يأتي البحث النظري بوساطة الخبرة الطبية التي دوره في توصيف الواقعة محل الحكم وليس استنباط الحكم الفقهي الثابت بالشرع.

2-التطور  الطبي المعاصر بحث نظري في وصف محل الحكم الشرعي:

في ضوء تطور البحث العلمي الطبي الجيني والجراحي، ظهرت مرجحات أخرى، زائدة على المظهر الخارجي المتبادر بالنظر الأولى، بالإضافة إلى الأمور الباطنة التي لا تدرك إلا من خلال الفحص الطبي الدقيق كالفحص الكروموسومي والهرموني، مما يعني أن تحقيق المناط النوعي بين الذكر والأنثى، يكون على قسمين فحص عضوي، وهو يقسم إلى قسمين أيضا، مظهر  خارجي، وفحص باطني، والآخر تحليل نفسي سلوكي.

أولا: التحليل العضوي:

1-المظهر الخارجي:

وقد ذكرت أن هناك مظهرا خارجيا متبادرا من الأعضاء التناسلية، وهناك مظاهر  خارجية أخفى من ذلك المتبادر بالنظر الأولى، مثل شكل الهيكل العظمي حيث يتسع الحوض للمرأة ويضيق للرجل، والمرأة أقل وزنا وطولا من الذكر بنسبة 15% تقريبا.

2-الفحص الطبي الباطني:

الهرومونات الذكرية تختلف عن الأنثوية، والكروموسومات للذكور  XY وللإناثXX، ووجود الأعضاء الجنسية الباطنة مثل الرحم والمبايض، والفحص الباطني للخصيتين والذّكَر ، وما إلى ذلك من وجوه الفحص التي لا تُدرَك بالظاهر،  بل لا بد لها من فحص داخلي يعرفه المختصون.

3-تمييز الشريعة للعضو العامل من الخامل عند الاشتباه:

أ-الاستعانة بالطب لتعيين الجنس لا تغييره:

هذا التعيين الشرعي يقتضي تعيين الحقيقة الطبية في العضو  وتقديمها على الحالة الصورية، فمثلا من ظهرت لها أعضاء أنثوية ثم  تبين بالفحص الطبي الباطني وجود أعضاء عاملة داخل البطن، كالذكر والخصيتين، فإنها أي الأعضاء العاملة مقدمة المظهر الخارجي المتبادر، وكذلك القول إذا كان هناك أعضاء ذكرية ظاهر مع وجود أعضاء أنثوية عاملة كالمبايض والرحم فإن هذا استمرار على العمل بالظاهر في الأعضاء العاملة المقررة من جهة الشارع، وعليه فإنها أنثى وليست ذكرا باعتبار  الأعضاء العاملة ولو باطنة، وعدم اعتبار  غير العاملة ولو ظاهرة متبادرة.

ب-العادي في الطب أغلبي يحتمل الحالة النادرة:

وبناء على ذلك نجد أن التوافق الحقيقي في الأعضاء الذكرية العاملة يعني وجود أغلبي للتوافق مع الفحص الهرموني والكروموسومي، في الغالبية الساحقة، وأن افتراض تعارض الكروموسومي والهرموني مع الأعضاء العاملة محتمل احتمالا بعيدا، وقد يوجد في بعض الحالات على وجه الشذوذ، والنادر  هنا لا عبرة به مع اتضاح الأعضاء العاملة سواء كانت ظاهرة بالتبادر، أو  بالجراحة والفحص المخبري.

ثانيا: التحليل النفسي الجِبِلي لا الفعل الاختياري:

1-التمييز بين السلوك الجبلي والاختيار  الفعلي:

إن ولادة المولود الذي نشأ أنثى وميلَه السلوكي أنثوي ليس من جهة الاختيار  إنما من جهة الجبلة الطبعية التي لا يُكلف المرء برفعها، بل هي طبع جبلي لا اختيار فعلي، ولا شك في اعتبارها ضمن المرجحات مع الفحص الكروموسومي والهرموني، بل إن السلوك النفسي الطبيعي سلوك الأولاد مع ظاهرية المتبادرة في الأعتضاء التناسلية وليس الاختياري كان سببا في الفحص الباطني وتبين أنه ولد وليس فتاة ودل على ذلك السلوك على أنه ولد،

2-لماذا يجب التمييز بين النفسي الجبلي والسلوك الاختياري:

أ-فلسفة علم النفس جبرية:

إن فلسفة علم النفس والاجتماع في الغرب تفسر السلوك البشري تفسيرا طبيعا، كتفاعلات الكيمياء، وفيزياء المادة، ومن ثم تعتبر السلوك الذي هو اختياري أمرا قهريا، ويجب أن يراعى طبيا واجتماعيا، وعندئذ يدخل الملاعين كالرجل المتأنث والمرأة المسترجلة تحت العذر القهري، ومن ثم يفتح باب تغيير الجنس للملاعين وقوم لوط، ومن هنا يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار التمييز بين الفعل وهو اختيار، وبين الجبلة وهي خلق إلهي لحكمة، وليست من فعل العبد.  

ب-الشريعة تميز بين الجبلي والفعل الاختياري:

وبناء عليه نصبح أمام قسمة ثنائية نفسيه سلوكية يميز فيها بين الجبلي وبين السلوك الاختياري، وقسمة عضوية: ظاهر ية وباطنية، والظاهرية تقسم إلى متبادر  وإلى ظاهر  يحتاج تأملا مثل الهيكل العظمي والوزن، وأما الباطن فهو يحتاج إلى فحص مخبري دقيق، يتضح به ما هي الأعضاء الذكرية والأنثوية العاملة أو الخاملة، وعليه لا بد من وزن هذه المحددات شرعا، وقواعد الترجيح بينها، ثم المرحلة الأخير ة هي تحقيق المناط الشخصي في الحالات المعينة لإعطاء الحكم فيها.  

ثالثا: الفحص الكروموسومي والهرموني من المرجحات عند تساوي الأصول:

1-إذا تساوت الأصول وجب الترجيح:

إذا تساوت الأصول المعينة للأعضاء الفعلية، وهذا نادر وربما لا يقع، وإن وقع فعلى سبيل الندور، وعلى فرض الوقوع فلا بد من الترجيح، سواء كانت الأصول ظاهرة متبادرة، أو ظاهرة بالفحص المخبري والجراحي، فلا بد عندئذ من مسلك الترجيح بين الذكورة والأنوثة.

2-لماذا يُعتبر الفحص الكروموسومي والهروموني مرجحات لا أصولا:

إن الشريعة أناطت الأحكام بالأوصاف الظاهرة، فعلاقة الرجل مع المرأة مبنية على الظاهر، وليس على الأوصاف الباطنة، وأن الميول الطبيعية تكون بحسب السلوك الأنثوي ومظهره، لا بحسب معرفة الجين الذكر ي من الأنثوي، كما أن الإفراز الهرموني يمكن أن يكون صناعيا، بحيث لو حقن الرجل بالهرمونات الأنثوية ظهرت عليه المعالم الأنثوية، وكذلك العكس إذا حقنت المرأة بالهرمونات الذكورية، ومن هنا لا بد من وزن الأصول في تعيين الذكورة والأنوثة وتعيين المرجحات عند تساوي الأصول، وأما الترجيح بالكروموسوم أو الهرموني على الأعضاء الظاهرة فهي تقديم ما حقه أن يؤخر وتأخير ما حقه أن يقدم وإن كان الجميع محل اعتبار.

المسائل الطبية المعاصرة، تغيير جنس المولود، تغيير الجنس، علم النفس السلوكي، المثلية الجنسية، الجندر، تحقيق المناط.

عبد ربه وأسير ذنبه

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا ينجبر

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمَّان الرباط

1-محرم-1446

7-7-2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top