نموذج الفقه في مركزية الأمة والتوازن مع السلطة

نموذج الفقه في مركزية الأمة والتوازن مع السلطة:

تمهيد: هكذا يبني الفقه العلاقة بين العالِم والسلطة:

كان الفقه مرجعية القضاء والفتوى ومحددا لمساحة السياسي للحاكم لا أن يكون الفقيه هو الحاكم والخليفة، والأمة علماء وخلفاء وعامة يرون الفقه هو المعيار للجميع، والفقه يعين مساحة السلطة في السياسية الشرعية، وأنكر الفقهاء على الخلفاء لحق الشرع لا نزاعا على السلطة مما أدى إلى توازن بين مركزية الأمة والبيان وصولجان السلطان، واستمرت مركزية الأمة والشريعة رافعة للسلطة في مواجهة العدو الخارجي والنفاق الباطني دون الحاجة إلى برلمان وفصل السلطات ودستور  إلى ظهور  الحداثة الأوروبية في ثنائية الدكتاتورية وحكم الشعب، وأحلت نموذجها المهيمن على مستوى العالَم.

1-إحلال النموذج الحداثي محل مركزية الأمة:

فوجئ المسلمون بالنموذج الغربي في الديمقراطية والرأسمالية والنزعة الفردية فقال لا يا خليفة اجعل لنا برلمانا كما لهم برلمان، دون إدراكهم أن مسار أوروبا التاريخي وتكوينها الثقافي هو الذي أدى إلى هذه الثنائية، وأن مسار المسلمين لا يؤدي إلى هذه النتيجة، وأنه كان بإمكانهم أن يستمروا على ما كانوا عليه وليسوا بحاجة إلى تقليد التاريخ الغربي ونتائجه، ونسوا أن هذا كليا ثقافيا لا ينفصل عن لؤم الرأسمالية وأنانية الفردية، وسيكون جسما غريبا في الإسلام سيطرده قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، وأن محاولات الداعية في التلفيق والترقيع في عرس البغل لم تفلح منذ مائة عام، لأن البغل لا يلد أصلا، وأن فصل الدين عن المعرفة أخطر من فصل الدين عن الدولة.

2-الكهانة الدينية في مركزية السلطة بدلا من مركزية الأمة والشريعة:

ظهرت دعوات المشروطة سابقا التي هي الدستور والبرلمان لتقييد الخليفة العثماني، ثم ما لبثت أن خلعَتْ الخليفة نفسه بالديمقراطية وألغت الخلافة رسميا 1924، وولدت نماذج مشوهة من التدين والتجديد، من أجل الديمقراطية، وكثرت البرلمانات وتعددت الدساتير،  وبعد مائة عام من الدماء من أجل الديمقراطية والظلامات والصراع بين الحداثة والشريعة، يبدأ ربيع عربي جديد في خريف الدم، وما زال الداعية مستمرا في تقليد الحداثة ويضحي لها بالدماء، وداعية آخر  يصدر صكوك حرمان يكفر بالطاغوت والحاكمية والولاء والبراء داخل الوسط الدعوي نفسه، والجميع في مركزية السلطة والكهانة الدينية التي تكفر خصوما بالولاء والبراء ولو على موقف سياسي، ومع تجاهل الدعاة الجدد وخصومهم مركزية الأمة والشريعة.

3-الإسلام مستمر :

أ-الفقه الدائم:

لا يتوقف التكليف الشرعي على نظرية سياسية، ولا نظم إدارية  كقيام برلمان، أو كتابة دستور ، ولا ننتظر الداعية والرجل العظيم في الفراغ الكبير، ولا خروج المخلص السياسي أو  البطل القومي، بل المذاهب المتبوعة التي هي عمل الأمة المستمر من لدن الصحابة  وهي حجة الله على خلقه هي ملاك الأمة وقيامها، ولا عذر عند الله في ترك الفرائض وتحريم الحرام بانقطاع برلمان ولا حزب ولا جماعة ولا دستور كُتب أم لم يُكتب عُدِّل أم لم يُعدل، فإن الانقطاع لا يلغي التكليف بالإسلام.

ب-لسنا ننتظر الداعية المخلص:

 وإن إلغاء التكليف بالشريعة ودعوى التكليف بالمعدوم الآن بانتظار  المخلِّص المزعوم هي  دعوى التكليف بما لا يطاق، وتعطيلٌ لا يجوز للواجبات إلى حين استيلاء الدعاة على السلطة، وكأن الإسلام والأمة كانت معدومة قبل الاستيلاء على السلطة، وأما قبل الاستيلاء على السلطة فتَبرير كل المفاسد بسبب أن السلطة ليست بيد الدعاة، وإهمال الفقه لأن الدعاة لم يستولوا على السلطة، ولو أنهم تعلموا الفقه فلا فائدة منه-بزعمهم- إذا لم يطبّق بقوة السلطة، وهنا يتضح الفكر الأداتي لدى الدعاة أنهم لا تعنيهم الحقائق الشرعية في نفسها بل ماذا يمكن أن يستفيدوا منها، والشريعة تكلف بحقائق شرعية واضحة لا تخضع مشروعيتها لدراسات الجدوى الاقتصادي ولا لرغبة الجمهور .

4-نعم للتكليف بالإسلام الآن:

برنامج صلاح الأمة جاهز  وعودتها من جديد بالعمل بالفرائض واجتناب المحارم، ولا يوجد عندنا تعليق التكليف إلى حين الاستيلاء على السلطة، ولا ظهور المخلِّص، ولا ننتظر المهدي، ولا الرجل العظيم في الفراغ الكبير  ليبين الحلال والحرام، هذه أمة قائمة بالقلم والسيف إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يوقفها عدل عادل ولا ظلم ظالم، هي كما هي منذ بعثت بالعدل رحمة للعالمين.

الكسر في الأصول لا ينجبر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عمان أرض الرباط

26- شوال -1446

25-4-2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top