هل الصراع مع اليهود ديني أم بسبب الأرض
1-توضيح إشكالية السؤال:
هذا سؤال يؤكد قوة هيمنة الحداثة على النموذج الديني والسياسي، لأنه يقوم على ثنائية القطيعة بين الدين والوطن في الحداثة، فقد يذهب المفكر الإسلامي إلى أن الصراع ليس دينيا بل هو من أجل الوطن وبسبب احتلال اليهود لفلسطين، والإسلام يدافع عن الأرض، وقد يذهب مفكر إسلامي آخر إلى أن الصراع ديني، وليس من أجل فلسطين، لأن الوطن في نظره حفنة من التراب، والقتال من أجل الوطن شرك بالله، وسبب هذا الاضطراب في الجواب هو أن الحداثة استَبْطَنتْ داخل الفكر الديني المعاصر، ولم تبق له سوى العيش على شَمِّ النصوص المتشابهات، يُسنِد بها رأيه الديني الهَشَّ.
2-تناقضات الحداثة لا تتسع لأجوبة الشريعة:
والجواب: إن القتال مع اليهود شرعي، وإن السؤال المطروح أعلاه قائم على أصول الحداثة في ثنائية القطيعة بين الدين والوطن، وهذه الثنائية التي قام عليها السؤال ثنائية باطلة، ولا تتسع لجواب الشريعة، لأن الشريعة تجمع بين التعبد بالقصد الأول، والجبلي في الوطن بالقصد الثاني، والجمع بينهما دِين بشرط تقدُّم التعبدي على الطبعي في حب الوطن، فنقول إن الصراع مع اليهود شرعي يشتمل راية التعبد بالقصد الأول المخدوم والجبلي في القصد الثاني الخادم ولا ينفصلان، ومن هنا نخرج من ثنائية الحداثة المبطنة داخل الفكر الإسلامي المعاصر الذي يُصدِّر اضطراباته العصبية للمسلمين، ويجعلهم شيعا وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون.
3-واجب المفتي تصحيح السؤال:
سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم(ما يَلبَس المحرِم من الثياب ؟ قال : لا يلبَس القُمُص إلخ )، فقد أخطأ الرجل في السؤال، وقال ما يلبس، لأن الأصل في اللباس الجواز، وهو كثير وجوابه لا ينحصر ، فصحح له النبي صلى الله عليه وسلم السؤال في الجواب فقال : لا يلبس القُمُص، ويصبح تصحيح السؤال هو: ما الذي يُمنع من اللباس على المحرم، فعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم السائل عن طريق الجواب، لأن المستفتي خالي الذهن من العلم، فوجب على المعلِّم أن يصحح أسئلة المستفتين.
4- وجوب تصحيح سؤال الحداثة:
وكذلك يجب تصحيح سؤال الحداثة: هل الصراع بيننا وبين اليهود ديني أم بسبب فلسطين، وبما أننا نرفض كلي الحداثة أن يكون نموذجا لتفسير أسئلتنا وأجوبتنا، لذلك نقول: إن السؤال خطأ، والسؤال الصحيح : هل الحرب لتحرير الأرض والمقدسات مشروعة في الإسلام أم لا؟ وعندئذ يكون الجواب واضحا، وتنكشف باطنية الحداثة وتأثيراتها في الفكر الجدلي الديني المعاصر، ويتبين أن تناقضات الفكر الديني المعاصر ليست من داخل الشريعة، بل من باطنية الحداثة التي تستبطن هذا الفكر الديني الذي يعاني من خلع ولادة معرفي، تحول مع الوقت إلى شلل فكري، لأنه قام على إعادة تفسير النص وتجاوز المذاهب المتبوعة، وقام بإحلال جماعات دينية هشة علميا، وغير قادرة على بناء النموذج الإسلامي الشامل القادر على إجابة الأسئلة الكبرى في مواجهة الحداثة.
مقال لها علاقة: هل دولة النبي صلى الله عليه وسلم دينية أم مدنية
التجديد الديني، التمييز بين الديني والسياسي، فلسفة الدين، الإسلام والحداثة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نظام الحكم في الإسلام، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الدعاة الجدد، الجهاد في السياسة الشرعية، أصول الإفتاء، أصول الاجتهاد، الجماعات الإسلامية
المحجة البيضاء
الكسر في الأصول لا ينجبر
عبد ربه وأسير ذنبه
أ.د وليد مصطفى شاويش
عَمَّان/ الرباط
28-صفر-1446