هل بلغتُ سن الفطام
1-كان اللقاء الأخير مع الشيخ محمد الأمين ولد بيب كفراق الموت، وعدت إلى الأردن لأدرس في الجامعة، لم يعد الشيخ بيه بن السالك-رحمه الله- مجيبا عن المعضلات الفقهية، ولا الشيخ الطالب-رحمه الله- مبحرا في المسائل اللغوية، ولا الشيخ محمد الأمين يمخر عباب الأصول في أمواجه العالية ومياهه العميقة، وجدتني في الأردن تلميذا وحيدا، لم يعد لي ملاذ في المعضلات، فقررت أن أركب الصعب وحيدا بلا قائد، معتمدا على ما يزيد على خمس عشرة سنة من ثني ركبتي بين يدي الشيخ، حتى تقوس مني الظهر للعلم، وأصبح ذلولا لمطالب الفقه ينسج على منوالها.
2-وبعد خمسَ عشْرةَ سنة في التدريس الجامعي مضت على اللقاء الأخير ، عُدت أدراجي إلى ساعة الفراق أتأملها، فوجدت أن ألمَ الفراق عن الشيخ كان ألمَ بلوغ الفطام جبرا عني، لأعتمد على نفسي، فلم يعد الشيخ الأمين قائما بالأصول، ولا الشيخ الطالب قائما باللغة، ولا الشيخ بيه بن السالك بالفقه، خمس عشرة سنة، كانت كافية لتتمرس بالنص الفقهي في الكتب العالية، حيث تستطيع بعد البحث أن تدرك مقاصد الفقهاء والأصوليين وتفهم أقوالهم وتعليلاتهم، وتعرف مظان المسائل، وأساليب الكتب ورتبها وما يختص به كل منها.
3-بعد كل هذا تكللت هذه الخمسَ عشْرةَ سنة باستحداث درجة الدكتوراة في الفقه المالكي ونهاية الفصل الدراسي الأول، وكانت اليوم المحاضرة الأخير في الفصل، سبقها الماجستير والدبلوم العالي والبكالوريوس والدبلوم المتوسط في الفقه المالكي، رتبتُ فيها كل ما وقعت عليه عيني ولَمحْته في فكري في تلك السنين، وبلغت فيها القدرة على فك العبارة، وفهم الإشارة، مما تعلمته على شيوخي الشناقطة الذين أعتقد أن علومهم صافية، لم تعبث بها يد الحداثة، فهُم أنقياء نقاء صحراء شنقيط، وأصفياء في الدين صفاء هوائها، كنت آخذ منهم الأخلاق في طول الصحبة فلا تأخذ الجواب إلا ومعه كلمة التقوى، ومسحة الخشية واليقين.
4- انتهيت اليوم من المحاضرة الأخيرة هذا الفصل مع طلاب الدكتوراه في مادة: المعاوضات في الفقه المالكي والقانون، لقد كانت المناقشات مفيدة وضافية، ناقشنا فيها الأبحاث الاستكمالية في المادة، وعزمت على أن أستكمل شرح حاشية الحبير على الشرح الصغير بالتوازي مع مختصر الشيخ خليل، واتفقنا على أن نستمر مع المادة في الفصل الثاني وأن نجعلها تطبيقات على مادة الفصل القادم: نظرية الالتزام في الفقه المالكي والقانون، مستمرون إن شاء الله في السير على خطى الأمة في فقهها وعملها، وبالتوفيق للجميع.
الروح المسافرة
عبد ربه وأسير ذنبه
أ.د وليد مصطفى شاويش
عمان أرض الرباط
18-رجب -1446
18-1-2025
بارك الله بك يا فضيلة الدكتور وسدد خطاك