أثر تعدد الاجتهاد المعتبر في تحقيق الأمن الفكري والسِّلْم الاجتماعي

تصنيف الأقوال الفقهية

خلق الله تعالى الناس مختلفين بطبائع متعددة، وعقول مختلفة، ولله في ذلك حكمة بالغة، فهذا التعدد في التفكير له أثره في تحقيق التنوع والإثراء، ولكن هذا الاختلاف ربما يمتد إلى دوائر خطِرة في التفكير، مما يترتب على ذلك تشوُّه في التصورات، ومن ثَم تأتي تصرفات ارتدادية منعكسة من ذلك التصور المشوَّه، وقد نبه القرآن الكريم في مواضع كثيرة على التعدد المعتبر الذي فيه إثراء ونفع للناس، وحذر القرآن الكريم من آفة الشرك والإلحاد، واعتبرها أعظم جريمة تحدث على سطح الأرض، وهي جريمة فكرية عقدية، ويترتب عليها تصرفات دموية، خصوصا تجاه المؤمنين برسالات الأنبياء جميعا، ومن الواضح للعيان حجم الظلم الواقع على المسلمين من قبل الإلحاد والنفاق، ولا تخفى على أحد خريطة دماء المسلمين على هذه الكرة الأرضية.

رغبت في هذه الرسالة توضيح الاجتهاد المعتبر الذي هو ثراء للأمة ونفع لها بإذن الله تعالى، إن هي أحسنت التعامل مع الأفق الأصولي في الاجتهاد، وأن هذا التعدد في الاجتهاد هو أمر طبيعي، بل هو حاجة بشرية لتلبية التنوع في التفكير، خصوصا وأن علماء الفقه الإسلامي وأصوله، بينوا دائرة الاجتهاد المعتبر النافع المقبول، كما هي ممثلة في المربع الأبيض، والاجتهاد الشاذ الضار المردود في المستطيل الرمادي وهو منطقة فاصلة بين الاجتهاد المعتبر، والاجتهادات الشاذة المؤولة، أما الشرك بالله تعالى والإلحاد في أسماء الله تعالى فأمره بـيِّـن وواضح في المربع الأسود.

أولا: ىالمشكلة التي تعالجها هذه المقالة:

تكمن المشكلة في اتجاهين، الاتجاه الأول المتحلِّل: ونضعهم في المربع الأسوَد، ويدعو هذا الاتجاه إلى تعدد الرأي والفكر مطلقا أيا كان ذلك الرأي، بصرف النظر عن كونه شركا أو إلحادا، بالرغم من الوعيد الشديد الذي توعد الله تعالى به المشركين والملاحدة، ومصيرهم المحتوم في الآخرة، ويرى الملاحدة أن ذلك الخلاف مشروع، واحتجوا بالآيات التي تأذن بالتعدد والاختلاف البنَّاء في الكتاب والسنة، في غير موضعها، ولم يفرقوا بين الواقع المشروع والواقع الموجود، وتوهموا أن ما تبينه الآيات من حسن العلاقة ولو مع غير المسلمين أن ذلك إقرار من الإسلام بالعقائد الضالة وأنها فكر مقبول من الناحية الشرعية، ولو صح هذا الفهم لقلنا إن السرقة مشروعة لأن القرآن الكريم نظم لها أحكاما.

أما الاتجاه الثاني المُغالي: فهو اتجاه يعمل على إقصاء الاجتهاد الشرعي المعتبر، ويريد أن يحمِل الناس على ما يراه هو، وترى هذا الاتجاه يختار قولا تسنده أدلة الشرعية، دون النظر إلى اجتهادات السلف الآخرين كالأئمة الأربعة، فتراه يختار قولا، ويسفه الآخر ويأخذ دليلا ويترك آخر، ويختار الأشذ والأشد لغلظة في نفسه، بل ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك إلى القول بأن هناك من أئمة السلف ومن الأئمة الأربعة من قال قولا فيه بدعة، وأجازوا البدعة على أئمة السلف بسبب الجهل بطبيعة المسائل الاجتهادية، مما أدى إلى الفرقة في المساجد، بسبب عدم معرفة هؤلاء في أدلة أئمة السلف، وطبيعة المسألة الاجتهادية، وأنها لا قطع فيها، فراحوا يبحثون عن القطع فيما لا قطع فيه، ثم يقطعون باجتهاد معين، ثم يسعى بعضهم إلى حمل المسلمين عليه، مما أدى إلى الفرقة والشتات بين أبناء الأمة.

ثانيا: طبيعة الاجتهاد المعتبر عند الأصوليين وفائدته في تحقيق الأمن الفكري والسلم الاجتماعي:

إن طبيعة التفكير الإنساني مختلفة ومتنوعة، وإن قصر هذه الطبيعة على اجتهاد واحد، هو جهل بتلك الطبيعة، ومخالف لسنة الله تعالى في الكون في التنوع، لذا كان تعدد الاجتهاد حكمة إلهية تستجيب لحاجة بشرية قبل أن يكون طبيعة فقهية، وقد ضرب الله لنا مثلا على ذلك في اجتهاد سليمان وداود عليهما السلام إذ يحكمان في الحرث، فأصاب سليمان عليه السلام، وأخطأ داود عليه السلام، وكلاهما نبي يوحى إليه، فقال تعالى: (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلاًّ آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79)، سورة الأنبياء. فأحرى أن يقع هذا التعدد في الاجتهاد المعتبر ممن ليس نبيا، بل هو مجتهد كلَّفه الله تعالى أن ينظر في الأدلة التي نصبها الله تعالى خريطة للتفكير في النص للوصول إلى الحكم الإلهي الذي استأثر الله تعالى بعلْمه، فالمجتهد ليس مكلفا بإصابة الحكم الشرعي الصواب الذي علِمه الله تعالى، بل هو مكلف بالأخذ من المصدر وعلى المنهجية المعتبرة في علم أصول الفقه الذي هو ضابط للفهم في الكتاب والسنة، وعفا الله تعالى عنه في النتيجة، فإن أصاب الحكم الذي استأثر الله بعلمه ونصب آياته وسنة نبيه لتدل عليه كان له أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، وهذا يعطي قيمة عُليا للاجتهاد، وإلا لم يجتهد أحد من العلماء، وبقيت الشريعة معطَّلة، ولو كان كان المخطيء موزور غير معذور، ما أقدم التقاة المؤهلون على الاجتهاد.

ثالثا: خطر اتهام المخالف في الاجتهاد المعتبر بأنه مبتدع:

بالرغم من أن أئمة السلف الأربعة ومدارسهم الفقهية تمثل الزوايا الأربعة للمربع الأول، ولا مانع من استحداث اجتهادات جديدة في نفس المربع، بشرط عدم مخالة ضوابط الاجتهاد الأربعة: النص، والإجماع، والقياس الجلي، والقاعدة الفقهية، فمن خالف واحدا من هذه الأربعة فحقه أن يوضع في المستطيل الرمادي، وظهر في الآونة الأخيرة بعض الإخوة يبدعون الاجتهاد المعتبر الصادر من أئمة الاجتهاد المجمع على أمامتهم بسبب ضيق صدورهم، وعدم معرفتهم بأن مسائل الاجتهاد لا قطع فيها أصلا، وهي اجتهادية لأنها لا قطع فيها ، والبحث فيها عن القطع، هو بحث عن الماء البارد وسط النار المحرقة، وقد أذن الله تعالى بتعدد الاجتهاد لعلمه سبحانه بحاجة الأمة لذلك، ولإتاحة مساحة اختيار للمسلمين من تلك الاجتهادات، ويظهر بذلك السابقون والمقتصدون حَسَب طبيعة الاجتهاد.

ويمكن أن يلتمس السبب في وقوع بعض طلاب العلم في هذا الخطأ الجسيم أنه بحث المسألة بحسب ما يراه، ثم قطع بالصواب من جهة نفسه هو، ولكنه نسي أن الصواب الذي عند الله لا يستطيع أن يدعيَه أحد، إلا إذا ادعى الوحي -معاذ الله تعالى، لأن الشرع لم يقطع في هذه المسائل لحكمة، والقول بجواز البدعة على أئمة السلف قول يشكك في سلفنا الصالح ويفقد صِدقيتهم التي أجمعت عليها الأمة، ومن ثم هو قدح في سلفنا الصالح وعلى رأسهم الأئمة الأربعة الذين لم يدَّعو العصمة لأنفسهم في الاجتهاد، ويجوز عليهم الخطأ في الاجتهاد باتفاق الأمة التي أجمعت أنه لا عصمة لأحد بعد رسوله الله صلى الله عليه وسلم.

ولكن هؤلاء الأئمة وإن جاز عليهم الخطأ في الاجتهاد فإنه لا تجوز عليهم البدعة، وكيف تجوز عليهم وهم أئمة السُّنة، وقد أجمعت الأمة على إمامتهم والأمة في مجموعها معصومة، ولم يحظ الذي قال بجواز بعض البدعة عليهم لعدم معرفته بقواعد الاجتهاد وطبيعته، بالصدقية التي حظي بها الأئمة الأربعة، الذين تمتد أسانيدهم إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في خير القرون، يقول الإمام الشاطبي نافيا وقوع أئمة السنة في البدعة في كتابه الاعتصام فيقول: (أنه قد تقدم أن البدع لا تقع من راسخ في العلم، وإنما تقع ممن لم يبلغ مـبْلَغ أهل الشريعة المتصرفين في أدلتها)، فما عرفته الأمة أن أئمة السلف المجمع على أئمتهم هم أهل الاجتهاد المعتبرون والمتصرفون في الأدلة، ومن اتهمهم بالبدعة فهو أولى بالتهمة، إذ كيف أصبحوا أئمة السنة والسلف بإجماع الأمة على إمامتهم ويتصور وقوع البدعة منهم، والمتهِّم لهم من الناس من المجاهيل الذين لم يدخلوا معادلة الاجتهاد أصلا، واستخدموا بعض أقوال العلماء في الاتهام بالبدعة دون تحرير لاستعمالها، بل حملت على ظاهرها، وهي الأمر المحرم والمذموم شرعا، ولم يحسنوا توجيه كلام العلماء المجتهدين في استخدام البدعة في ميدان الاجتهاد المعتبر التوجيه العلمي اللائق بأئمة الاجتهاد والصحابة.

رابعا: خطر إقصاء الاجتهاد المعتبر:

إن إقصاء الاجتهاد المعتبر بالشروط التي مر ذكرها، يؤدي إلى فساد في المجتمع الإسلامي، وهو من الغلو في الدين، وهي نظرة أحادية تضيق بما عليه سلف الأمة من اجتهادات أجمعت الأمة على اعتبارها في الجملة لا على وجه التفصيل، وإن القول بأن اجتهادات أئمة السلف المجمع على إمامتهم تحتمل البدعة هو تفخيخ للفقه الإسلامي من الداخل، وهذا يؤدي إلى نشوب صراعات في بيئة الفقه الإسلامي تستنزف الطاقة والجهد للوصول إلى قطع فيما لا قطع فيه، وتتبادل على أثر ذلك الكتب والرسائل العابرة للقارات، بين من ضيقوا على أنفسهم وأمتهم أمرا كان لهم في سعة.

إن الشقاقات التي نشهدها في مساجدنا مع الأسف الشديد هو في غالبه من هذا القبيل، وهو التحزب على اجتهادات يجوز فيها الصواب والخطأ، وأن الأولى أن تجتمع الأمة على إجماعاتها في العقيدة والأصول والشريعة، التي تمثل حواف المربع الأبيض ومن تجاوزها نخشى عليه حتى يعود إلى مجتمع المسلمين وجماعتهم، وتزداد الأمور خطورة من جهة تقديم الجماعات والأحزاب السياسية مواثيقها وسياساتها على الثوابت الفقهية بل والعقدية أحيانا مما يعني اختلاط حال المسلمين في المربع الأول، وتحولنا إلى قوى متنافرة تصل أحيانا إلى التحريض، بل وعدم حفظ حرمة المسلم في دمه وماله وعرضه، بسبب طغيان الحزب والجماعة التي تنطلق من سلّة الاجتهادات الخاصة والخيارات الحزبية والجماعِية، وتخرج بتبديع المسلمين بناء على رؤيتهم الاجتهادية الخاصة، ولو كان للطرف الآخر سلف صالح معتبر في الدين.

خامسا: خطر إثارة الشقاق بين الاجتهادات المعتبرة:

يظن بعد الحريصين على السنة أنه بإنكاره على المخالف في الاجتهاد المعتبر أنه قد أحسن، ولكنه في الواقع لم ينظر بموضوعية علمية إلى مسوغات الاجهاد الآخر، الذي له أصل في عمل كبار السلف وعلى رأسهم الأئمة الأربعة، فظنَّ أنه يحسن بالإنكار على الاجتهاد الآخر المعتبر، وهنا تدخل الأمة في دوامة الاستنزاف، وينشغل كل طرف بأخيه في المربع الأول، إلى أن يقتحم التحلل والإلحاد علينا من المربع الأسود، فيسوم الجميع سوء العذاب، ولاتَ ساعةَ مَنْدَم، فقد قطع أحدنا بسبب الغلو يمينه بيده، ودبَّت الفرقة والشقاق والنزاع، وتجرأ الفكر اللاديني المتطرف على المسلمين، ولـِــمَ لا يتجرأ الإلحاد والنفاق على المسلمين إذا تجرأ المسلمون على أنفسهم، حتى سقطت هذه الأمة من عين الله تعالى، وسقطت من عين الناس بسبب الجهل في فهم المسائل الاجتهادية وطبيعتها.

سادسا: التجانس في الاجتهاد المتعدد المعتبر يحفظ الأمن الفكري:

إن التجانس في الاجتهاد المعتبر، المنضبط بمعيار النص الشرعي، يمثل تجانسا ثقافيا بين أبناء الأمة، مما يعني أنه يوسع صدورهم لتقبل الاختلاف الذي لا يعبث بالشرع، وله نصيبه من الاستدلال الصحيح، وتجعل من المسلم متفهِّما للطرف الآخر في المسجد مادام له في ذلك إمام مجتهد معتبر، وليس من الحكمة الوقوف عند تلك المسائل الاجتهادية كثيرا، بل يجب أن يتفرغ المجتمع هنا لإصلاح نفسه بالوقاية من التحلل الـمَقيت الذي يبثه الفكر اللاديني المتطرف، والغلو الذي يضيق ذرعا بنفسه في حين من الأحيان، إن النظرة الأحادية التي تبدع في الاجتهاد المعتبر، ونسيت أن الاجتهاد المعتبر صحيح يحتمل الخطأ، ولكنه لا يحتمل البدعة، ستنشق هذه الأحادية على نفسها يوما، لأن العقلية الضيقة ستضيق بأصحابها حينا من الدهر، واستمرار هذه الانشقاقات في داخل المجتمع الإسلامي يهدد أمننا الفكري، ويجعل المجتمع متنافرا بسبب حالة التضليل في دائرة الاجتهاد المعتبر، وبسبب إخراج الاجتهاد الصحيح إلى المربع الأسود.

إن الغلو -بوصفه نظرة أحادية- غير قادر على ريادة المجتمعات الإسلامية، التي يستطيع الاجتهاد المعتبر أن يستوعبها، ويعذر المسلمون بعضهم بعضا لطبيعة الأدلة الشرعية المتسعة التي تشملهم جميعا وفق ضوابط تكفل هذا التجانس، ومن الغريب أن العديد من الاتجاهات في البيت السني وصل الأمر بينها إلى حد التناقض في الفكر والمصالح، بل والسعي بالتشهير، وبلغت إلى حد الاستهانة بالدماء المعصومة، نتيجة تلك النظرة الأحادية، التي -مع الأسف- اتسعت لإنشاء علاقات وطيدة مع قوى تسفر عن وجهها الكالح في العداوة لنبي الإسلام –صلى الله عليه وسلم، بينما يضيق الأمر بين الإخوة الأشقاء، وكل ذلك بسبب عدم فهم طبيعة الاجتهاد المعتبر.

سابعا: بين التسامح والاجتهاد المعتبر:

ربما يدعو بعض المشتغلين بالعمل الدعوي إلى التسامح والعفو ظنا منه أن ذلك كافٍ، أو هو المأمور به شرعا، إن مربع     الاجتهاد المعتبر يعني أن الاجتهاد المخالف أمر محتمل للصواب، ومن ثم لما كان متسندا إلى مصادر الشرعية ومنهجها في الاستنباط، وجب اعتبار الاجتهاد الآخر دِينا، وأن الإنكار عليه إنكار على الشرع، لأن الشرع أذِن فيه بصفته خلافا معتبرا، ومن ثَم فإن الاجتهاد المعتبر يضعنا في حالة عميقة جدا من الفهم، وهو ما تفتقر إليه دعوات التسامح في الإعلام، التي لا تذهب إلى أكثر من غض الطرف بسبب الجهل بالحق، أو رغبة في دنيا أو خوفا عليها، بينما الشريعة تقرر أن كلا الاجتهادين شرع، لأنهما مستنــبَطان من الكتاب والسنة، وأن الجميع من عند الله تعالى، ويجب على جميع الأطراف اعتقاد أن ما عليه كل طرف صواب يحتمل الخطأ، أو خطأ يحتمل الصواب، وأنه على فرض أن الخطأ في الطرف الآخر فإنه مأجور، ولولا أنه من الدين ما أثاب عليه الشرع، فأثبت للمجتهد المصيب أجران، وللمخطيء أجر واحد، وبما أن الله تعالى أثبت له أجرا فإنه في رضا الله تعالى، فكيف نسخط ونُسفِّه من رضي الله تعالى عنه، وأثبت له الأجر الواحد؟!.

وكتبه الفقير إلى عفو ربه

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة

صبيحة الجمعة المباركة

5/6/2015

1 thought on “أثر تعدد الاجتهاد المعتبر في تحقيق الأمن الفكري والسِّلْم الاجتماعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top