الإضراب أزمة ثقافية مظهرها اقتصادي

                                                                                         

الملخص
إن تصرفات الإنسان وأفعاله هي نتاج أفكاره، فما من فعل إلا له أصل في التصور، ومن الخطأ التعامل مع التصرف والفعل بعيدا عن الفكر والاعتقاد، وإصلاح التصرفات يأتي قبله إصلاح الاعتقاد والتصور، فالغرب عندما أنكر المرجعية في الحق أن تكون لله، ورد أمر الحق إلى ما يقرره المجتمع عبر مؤسساته الممثلة له على أساس الأكثرية، فإن هذا يعني أن الغلبة للكاثر الأقوى، ومن ثَم لجأت فئات المجتمع للتكتل على شكل نقابات لتحقيق القوة الكافية لتقرير الحق واكتسابه، وهذا خلاف من تنطق به العقيدة الإسلامية من أن الحق معلوم عند الله لا يخضع لمعايير القوة الشعبية الضاغطة، بل إلى العلامات التي نصبها لله تعالى على الحكم الذي عنده في الكتاب والسنة، ويكشف المجتهد عن ذلك الحكم بالمنهجية الإسلامية الموضوعية في الاستنباط، يعني ذلك أن على الجميع التخلي عن وسائل الضغط بمختلف أشكالها، والبحث عن حكم الشرع مجرَّدين عن أهوائهم وحاجاتهم، رغبة فيما عند الله من الأجر.ا.ه
**********
أولا: وقل الحق من ربكم:
إن الإضراب يمثل مبدأ ثقافيا قائما على تقرير الحق واكتسابه بالقوة، وينطلق من ثقافة تعتبر أن الإنسان هو مصدر الحق، لا أن الحق مقرر عند الله تعالى، ونصت الأدلة من الكتاب والسنة علامات هادية إليه، ومن ثم فإن الحق الذي عند الله هو العدل الذي أمر به الناس، ولا حق غيره، وهذا الحق لا يخضع في تقريره لموازين القوى بين الناس، ولا يحكم الله تعالى به للأقوى من المخلوقات التي كلها عنده ضعيفة سواء كانت نقابات، أو حكومات، أو شعوبا، أو فئات مجتمعية أيا كانت طبيعتها.
إن الصراع بين قوى النقابات، والحكومات في الثقافة البشرية المعاصرة على تقرير الحق واكتسابه، قائم على مبدأ غربي بشري هو أن القوة للكاثر، وهو ظلم للضعفاء غير القادرين ليس على الضغط فحسب، بل على التعبير والكلام، وإن الرضا بمبدأ القوة أساسا لتقرير الحق ليس في صالح هؤلاء الضعفاء، الذين جعلهم الله امتحانا للأقوياء، وإن الرضا بمبدأ القوة أساسا للحصول على المكاسب نشأ في الثقافة الغربية الفاقدة للمرجعية الشرعية الصحيحة التي تعطي الحق بناء على علم إلهي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأبلغه للخلق على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ونصب العلامات الدالة عليه، في الوحي بشقيه الكتاب والسنة.
ثانيا: خلل في التصور تبعه خلل في الإرادة:
إن تصور اكتساب الحق وتقريره بقوة الضغط هو مسألة فكرية، تكون قد اختمرت في عقل الإنسان في ظل غيبة المرجعية الإسلامية في رسم التصور وترشيده، ومن الطبيعي أن تختل الإرادة إذا اختل التصور، فبعد أن يصبح الفرد هو المرجع للحكم لنفسه وهو الخصم والحَكَم، علينا أن نقبل دخول المجتمع في اضطرابات فئوية طاحنة، وربما تودي بمصالح الجميع، خصوصا في ظل غيبة مرجعية إسلامية عامة للمجتمع العربي والإسلامي، تلك المرجعية التي تعاني من الشتات شأنها في ذلك شأن كثير من المسلمين الذين أصبحوا فَرْسَى لصراع الدنيويات (المصالح) التي ربما تذهب بدنياهم وأُخراهم.
ثالثا: وضوح المرجعية الإسلامية في المصدر والمنهج:
إن المرجعية الإسلامية الموضوعية واضحة خلال مصادر الحكم الشرعي ومنهجية الكشف عنه، وهو أمر لا إشكال فيه فهو بيان واضح في مصدر الحكم ومنهج استنباطه، ولكن الإشكال كامن في الجهد البشري القادر على النضح من المصدر(الكتاب والسنة) وفق المنهجية السليمة في الفهم(علم أصول الفقه)، وتتوفر له الكفاءة العلمية والمؤسسية التي تحظى بقاعدتها العلمية في البحث العلمي والصدقية لدى جميع أطراف الخلاف، وعدم إقحام الدنيويات الفئوية، على الشريعة، ومن ثم اغتيال الشريعة، وتحويلها إلى ناطق رسمي باسم دنيا كل فريق، في حالة عبثية تتبع الهوى من قبل أطراف الصراع في تسخير الشريعة، كما فعلت بنو إسرائيل الذين حرفوا الكلم عن مواضعه ليشتروا به ثمنا قليلا.
كيف نصل إلى الشريعة بعيدا عن صراع الدنيويات:
إن مقام العبودية لله تعالى واستشعار الرقابة الإلهية، والخوف من الكسب المحرم، والظلم للرعية، كل ذلك يدعونا جميعا إلى الجِـــثِــيــــيِّ على الركب مُسَلِّمين لرب العالمين، راغبين فيما عنده من الوعد الصادق، وعندئذ ستضيق هوة الشقاق والخلاف التي نتجت عن صراع الدنيويات التي تفسد على المسلمين دينهم ودنياهم، وبخلاف ذلك علينا أن نستمر في الصراع الذي لا نهاية له، في ظل تجاذبات المصالح، وتوظيف الدين لخدمة تلك التجاذبات، وتحويل الدين من حاكم إلى خادم، وهو ذات ما فعلته بنو إسرائيل الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، وياليت شعري ما أغنت عنا تلك التلاوات للقرآن الكريم في الأيام المباركة ومحاولة ضبط الحروف والكلمات مع تضييع الحدود والأوامر، مما يعني أن القراءة التي هي وسيلة للفهم المؤدي للعمل، أصبحت هي الغاية، وهي منتهى نصيبنا من كتاب الله تعالى، وماذا ستغني عنا تلك الآيات إذا جاء الكتاب في ذلك اليوم وقال: يا رب إن قوم اتخذوا هذا القرآن مهجورا.
وكتبه الفقير إلى عفو ربه
د. وليد مصطفى شاويش
عمان المحروسة

                                                                                             30/8/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top