التشبيح اللغوي للحكواتية في غيبة الخليل بن أحمد الفراهيدي (توفي 170هـ)

1- التشبيح اللغوي وحُمَّى الإبداع:

أثار غير واحد من الجلساء في مجالس عدة موضوع الفرق بين الصوم والصيام، أسلوبا جديدا من أساليب التشبيح البلاغي الذي لم يعرفه الخليل في أول معجم للغة العرب، وينتهي إبداع آخر الزمان بانتصار مؤزر غير قابل للتمييز والاستئناف، بأن الصوم يكون في الكلام فقط، أما الصيام فهو في الطعام، وكتبت مقالة في الفرق بين الصوم والصيام وفق علم الدلالة في الأصول، ونشرتها على موقعي الرسمي، ثم حدثتني نفسي أن أنظر ماذا قيل في الفرق بين الصوم والصيام -إن وجد، في الشَّابِكة (الإنترنت)، فكانت المفاجأة أنني أمام لون جديد من التفسير، يقترب إلى التشبيح اللغوي منه إلى التفسير، خصوصا أن المفسر الذي اكتسح سوق الكلام، يعاني من مشكلة مزمنة في مخارج الحروف، وصعوبات في القراءة، وهو أحوج إلى درس ابتدائي في قراءة القرآن الكريم، فضلا أن يكون قادرا على تمييز أنواع الكلمة في القرآن الكريم، في هذا الزمن الذي فشا فيه المتسورون محراب الشريعة، وكثر العبث والتشكيك بأصول الشريعة، وخصوصا السنة والإجماع.

2-الحديث العاطفي هو بداية التشبيح:

تبدأ مغامرات التشبيح اللغوي عادة بحديث عاطفي حول عظمة القرآن وبلاغة آياته مدة كافية لدغدغة مشاعر الضحية، وحينما يتأكد الحكواتي أن المستمع بلغ به حب القرآن مبلغه، وسلَّم عقله للحكواتي، يقوم الحكواتي في هذه الأثناء بحقن، الضحية بتشبيح لغوي تجديدي، دون أن تشعر الضحية بوخزة الحقنة، بسبب حالة الهياج العاطفي،  ويمكن التأكد من بلوغ حالة الهيجان العاطفي المستوى الكافي لحقن الضحية، بتذكير الضحية بأكلة المنسف باللحم البلدي والجميد الكركي، في أحد مطاعم الدجاج الأزرق برقبته السليمة لم تمسها السكين، فيهز رأسه معطيا علامة الرضى، أقصد أن الذي يهز رأسه هو المشاهد، وليس الدجاج الأزرق!!

3- تحريف الأديان قام على التهييج العاطفي:

نسينا أن محاولات تحريف الأديان كانت تقوم على التهييج العاطفي، بالغلو في حب شخص، معين ثم الوصول به إلى مرتبة الألوهية، من حيث لا يشعر الضحايا بالأفكار المارة عبر العقل الباطن خلال فترة التهييج، حتى تتم عملية تنصيب الشِّرك بنجاح دون وعي، ومن هنا نعلم سبب توكيد القرآن الكريم على الطبيعة البشرية للنبي صلى الله عليه وسلم، وحصر مهمته في البلاغ عن الله تعالى والبشارة والنذارة، وأنه أعظم الناس في مقام العبودية لله تعالى، وسر وصفه للرسول -صلى الله عليه وسلم- بمقام العبودية الرفيع، هو لحماية الناس من الوقوع في نعته صلى الله عليه وسلم بصفات الألوهية، وهو هدم للتوحيد من أساسه.

4- استكبروا على العلماء فوقعوا في حِجْر الحكواتية:

ذكرتني ضجة الحكواتية التي أثارهها المغرمون بحب الغريب وصرفوا بعض الناس عن أخذ العلم من العلماء، وإذا بالمصابين بحمى الإبداع  يجلسون بخشوع أَطْرَم أمام الحكواتية، فكان الوقوع في حجر الحكواتية عقوبة على الاستكبار عن العلم، والاستهتار بطرق تلقي الشريعة، وأمْست فوضى المعرفة مرادفا لحرية الرأي والتفكير، وأن يعمل من هب ودب برأيه في تفسير القرآن والحديث، وأن يبدي النظر في علم الحديث تصحيحا وتضعيفا ورد الأحكام الثابتة بالإجماع، مع التشكيلة الواسعة للتشبيح على مستوى العقل والنقل واللغة،واستطاع الحكواتية اكتساح سوق الكلام والتأثير في عقول بعض من الناس، بهذا التهييج العاطفي.

5- عليك بِعَرانِين الفقه، وذُرَى علم الحديث:

نحن في زمن أضاع بعض الناس فيه عَرانين الفقه من أئمة الاجتهاد، وذُرى علم الحديث من أئمة النقل، وصار حالهم إلى خاملي الذِّكر، يعبثون بعقولهم في برامج التسلية الدينية غير البريئة، تحت الأضواء المُبْهرة، مع العلم بأنه يمكن لبعض الناس أن يكون له قدرة على التحري في أشياء، ويكشف سهام الشبهة ويتقيها، لكن اتقاء سهام الشبهة لا ينجح دائما، فربما تحل في قلبه الشبهة ولا يرى اليد التي ألقتها، لذا عليه العودة إلى عرانين الفقه وذرى المحدثين، في مقولات لا يمكن أن يرى خطورة الشبهة فيها، ولا يدركها إلا عرانين الفقه والأصول وجهابذه الحديث، حيث يكشفون عن الشبهة التي لا يستطيع كثير من الناس أن يروا اليد التي ألقت تلك الشبهة إليهم، وهذا هو معنى قول الشاعر الذي يقول:

إذا أنت أَفْنَيْت العَرانين والذُّرى  …   رمـتْك الليالى من يد الخاملِ الذِّكْر
وهَبْك اتقَّيْت السهم من حيث يُـتـَّــقى…  فَمَن لِيَدٍ ترميك من حيث لا تدري

مقالة ذات علاقة: ضجة التفريق بين الصوم والصيام…ولزوم ما ليس فيه إلزام…وسع صدرك

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

مساء الجمعة المباركة

24-6-2016

عمان المحروسة

5 thoughts on “التشبيح اللغوي للحكواتية في غيبة الخليل بن أحمد الفراهيدي (توفي 170هـ)

  1. يونيو 24, 2016 - احمد موسى صيصل

    جزاك الله خير الجزاء يا دكتور
    تقبل الله منك النوايا الحسنة

  2. مايو 4, 2019 - غير معروف

    بوركت شيخنا

  3. مايو 5, 2019 - إلهام مبروك

    زادكم الله من فضله وأعانكم على الذوذ عن حمى الشريعة ورد الناس إلى أصولها ومناهلها الصافية ..وما هذا التهريج الذي نراه وتكتوي قلوبنا قبل أسماعنا بناره إلا كيد كائد وتدبير خفي صنع بليل …
    ليتكم تكتبون مقالا في التغسير اللغوي منهجه وضوابطه

  4. مايو 5, 2019 - أنوار

    جُزيت خيراً دكتورنا الفاضل

  5. أبريل 12, 2022 - د. بدر الدين ناجي

    نعم التحقيق، ونعم التدليل …
    جزاكم الله خيرا أخي الغالي الدكتور وليد
    وزادك ربي قوة وعلما للذود عن ديننا الحنيف من تلويث الداخل والخارج.
    ونفع ربي بك، وأمتع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top