(الديانة الإبراهيمية) ومجرد سؤال

قد تنتظر مني مقالا خطابيا جماهيرا في هذا الموضوع، فأقول لك إن التدين التواصلي قد كفى ووفى في الخطابة والتعبئة العامة والحشد الشعبي في الموضوع، وأنا لا أحب التكرار، ولكن في هذا الموضوع أود طرح الأسئلة في ثلاثة مجالات، الأول: حول ماهية الديانة الإبراهيمية، وثانيا: مناقشة ظاهرة الحديث عن الديانة الإبراهيمية، وثالثا: واقع التدين التواصلي في مواجة وحدة الأديان.

الأول: حول ماهية الديانة الإبراهيمية:

س1:هل الديانة الإبراهيمية تعني دمج الإسلام واليهودية والنصرانية في عقيدة واحدة، وهل قَبِل اليهود أخيرا بنبوة عيسى عليه السلام، أم قبل النصارى بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وكتبوا لنا هذه العقيدة المدمجة.

س2:هل هناك وثيقة مكتوبة في هذه العقيدة يمكن الاعتماد عليها في فهم العقيدة المدمجَة، وأين هذه المصادر موثقة، أم أن الأمر مجرد توقعات وتفسيرات إعلامية.

س3: هل الديانة الإبراهيمية تعمل على تذويب الانتماء الديني لصالح الاقتصادي والسياسي، وهي من (الدبلوماسية) الروحية، دون دمج بين الأديان وتحاول بناء مرافق دينية في مواقع مشتركة كحالة رمزية لإضعاف الانتماء للدين دون دمج الأديان عقديا، وذلك من أجل تهيئة قبول العدو الإسرائيلي ضمن هذه البيئة الثقافية المائعة دينيا، أو هي حالة من التعددية الثقافية وقبول الآخر والتعاون والتسامح الديني كما يروَّج لها.  

ثانيا: مناقشة ظاهرة الحديث عن الديانة الإبراهيمية:

على فرض عدم الإجابة على الأسئلة في المجال الأول، تطرح الأسئلة الآتية:

س1: على فرض عدم وجود تصور واضح للديانة الإبراهيمية يعني أننا أمام فتاوى الديانة الإبراهيمية قُيدت ضد مجهول، والسؤال: هل قامت جهات الفتوى بتحرير الديانة الإبراهيمية بحسب الأسئلة في المجال الأول، أم بادرت بالجواب بناء على حالة السيولة الإعلامية على التواصليات وفي الإعلام الهش.

س2: هل كان الجدل حول الديانة الإبراهيمية وقوعا في فخ الإلهاء الإستراتيجي وراء مفردات غامضة واستنزاف المجتمع فكريا وعاطفيا إلى حين الملل واليأس من الموضوع، ثم بعد ذلك تصبح المفردات الغامضة جزءا من الثقافة الدينية المزيفة، مثل تمرير مفردة الشرق الأوسط وانتزاع صفة الدين عن المنطقة وإضفاء صبغة الجغرافيا، لإضفاء شيء من الانسجام الجغرافي والشرعية الواقعية على احتلال العدو الإسرائيلي لمقدسات المسلمين.  

 ثالثا: واقع التدين التواصلي في مواجهة وحدة الأديان:

التدين التواصلي معزول عن أصول الدين والفقه وأصوله، فهو سرد متشابهات ووجهات نظر الفرد في الجماعات والأحزاب الدينية المعاصرة، وقد تعرض لانقلابات عديدة في زمن قصير، ولا يهتم التدين التواصلي بالتأصيل الفقهي والمنهجي، فهو كثير التناقض والسرد للمتشابهات يتوهم أنها من العلوم، وهو كثير التقلب، وقابل للترويض السياسي والاجتماعي، ويُطرح في هذا المجال الثالث الأسئلة الآتية:

س1: أليس التدين التواصلي هو الذي قال بالنجاة الأخروية للكتابية شيرين أبو عاقلة، التي قتلت عدوانا وظلما من العدو، وفي الوقت نفسه كفَّر خطيب عرفة في الحج، ودعا إلى تنزيله عن منبره، ومع ذلك يصيح بخطورة الديانة الإبراهيمية التي لم يبين لنا ما هي بيانا موثقا.

س2: ألم يظهر التوقف في أصول الدين القطعية بنجاة من بلغَتْه الدعوة صحيحة وجحدها، ونجاته الأخروية لأنه يخدم قضية فلسطين، وأن من اجتهد في أصول الدين ووصل إلى دين غير الإسلام فإنه معذور لأنه مجتهد، وأن أصحاب الأديان اجتهدوا فأخطأوا، أليس في ذلك إضفاء الشك على الإسلام نفسه وجعله مساويا لغيره من الأديان، أليس هذا تأسيسا لوحدة أديان تتجاوز الديانة الإبراهيمية نفسها بحسب رأيه.

س3: أليس مِن وحدة الأديان أن الكتابيين والمشركين الوثنيين موحدون بالربوبية، أليس هذا من مُطلَق التوحيد المتفق عليه، الذي يدعو إليه الدهرية، ولما انتقدْتُ توحيد أبي جهل بالربوبية، برز قوم يدافعون عن توحيد أبي جهل بالربوبية بآيٍ من القرآن الكريم، على نحو لو سمعه أبو جهل أنه موحد بالربوبية لأصابته جلطة دماغية وقلبية في وقت واحد.

س4: أليست الدعوة إلى المعنى المشترك في صفات الله تعالى هي تجويز الشرك على الله في القدر المشترك من المعنى بين الله وخلقه، هو من مطلق التوحيد المشترك بين الأديان التي تتعدى الديانة الإبراهيمية المزعومة، بل وتشمل الوثنيين كمُشركي العرب.  

س5: أليس إخراج توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات بحسب المعنى المشترك من كلمة التوحيد لا إله إلا الله، هو تأسيس لمطلق التوحيد ووحدة الوجود وهو القدر المشترك بين الأديان وإليه يدعو الدهرية(العلمانية)، أليس هذا مطروحا في بعض الدروس الدينية.

س6: أليس اعتقاد حلول صفة الكلام لله تعالى بالزعم أن الذي نسمعه من القرآن هو عين صفة الله تعالى هي عتبة وحدة الموجود، وهي شائعة في بعض الطرق الدينية المعاصرة.

س7: ما مدى قدرة التدين التواصلي على مناقشة الأسئلة السابقة، والغائب عن تحديد الأسئلة العلمية الدقيقة والإجابة عليها منهجيا، وعلى الوقوف أمام زحف الحداثة برجالها ومالها وإعلامها ونفوذها السياسي.

س8: هل استطاع التدين التواصلي تحديد ماهية الديانة الإبراهيمية ومصادرها الموثقة، أم وقع في فخِّ غموضها المقصود مسبقا، لاستنزاف المعرفة الدينية والدعاة الجدد، وتمطيط الجدل بينهم، وبناء عليه، تصبح قراءة قوله تعالى :   (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) مثار شبهة على إمام الصلاة، بأنه يدعو للديانة الإبراهيمية، وقد حدث ذلك أمامي شخصيا، مما يعني تغوُّل التدين التواصلي الدِّعائي على القرآن الكريم، وكل ذلك بسبب خديعة الحداثة بمفرداتها الملتوية كالديانة الإبراهيمية.

س9: ما خطورة الفراغ والتهادم على عقيدة التوحيد بسب صراع الحركية السياسية الإسلامية مع الغلاة في التكفير الذين يهدمون الشهادتين للمسلمين بالجملة بالتكفير بالذنوب وتوحيد العبادة والولاء والبراء بالكتاب والسنة الصحيحة لكن على أصول المعتزلة، ويزعمون أن دار الإسلام هي دار الشرك ما عدا جيوب ضيقة هناك وهناك، وأما الحركية السياسية الإسلامية فقد فصَلَت بين الدعوي المقدَّس والسياسي المدنَّس، وانتهت إلى المشاركة والتعددية الثقافية والسياسية بعد شعار المغالبة والنصر سابقا، هل كل ذلك سيوفر فراغا مناسبا للسياحة الفكرية الآمنة في العالم الإسلامي لمنتجات الحداثة في مطلق التوحيد الجامع بين كل الأديان.

س10: هل الصراخ العالي خوفا من تغول الحداثة ووحدة الأديان، أدى إلى ارتفاع معدلات القبول في كليات الشريعة لتهيئة طلاب مؤهلين لحمل المسؤولية، أم أنه صراخ النائحة المستأجَرة.

الكسر في الأصول لا يَنْجَبِر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان الرباط

9-شعبان -1444

1-3-2023

1 thought on “(الديانة الإبراهيمية) ومجرد سؤال

  1. مارس 1, 2023 - فتحي محمدمراد

    احسنت يا سيدي ..
    احسن االله اليك ..
    فكما هناك مال سياسي .. اصبح الان المال ديني ..
    لكن االله يأبى الا ان. يتم نوره

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top