تهريب مسائل الإمامة من الفروع إلى أصول الدين

1-الإمامة بين أهل السنة والطوائف:

أ-الشيعة والتكفير بمسألة الإمامة

قال أهل السنة بأن الإمامة واجبة وجوب الفروع مع الاستطاعة والقدرة، وذهب الشيعة إلى القول بأن الإمامة من أصول الدين، ومن كفر بالأئمة كمن كذب بالرسل، وبناء على أصلهم زعموا تكفير أهل السنة.

ب-الخوارج والتكفير بالكبائر دون شرط الجحود:

وأما الخوارج فإنهم كفروا بالكبائئر وخالفوا أهل السنة والجماعة الذين يقولون إن الكفر يكون بجحود معلوم من الدين بالضرورة فمَيَّزوا بين جحود أحكام الشريعة المعلومة من الدين بالضرورة كحرمة الخمر وفرض الصلوات الخمس فجعلوا ذلك الجحود ردة عن دين الإسلام،وأما المخالفة في الفروع مع الإقرار  بالمعلوم من الدين بالضرورة فذلك من كبائر الذنوب لا من الردة، خلافا للخوارج .

2-طَوْر متحوِّر من الطوائف:

بعد ظهور نموذج الدولة المعاصرة، وتطبيق القوانين الوضعية ظهرت فتاوى وأفكار دينية لا تفرق بين الجحود، والمخالفة في الفروع مع التسليم للشريعة بصحة أحكامها وأنه خير، فكفَّرت المسلمين بالكبائر، وبذلك نقَلَت مسائل الإمامة من الفروع إلى أصول الدين على طريقة الشيعة الإمامية والخوارج في التكفير بالذنوب، فلَم يبق على تلك الطريقة فرق بين من يعتقد صحة الشريعة وأفضليتها على القانون الوضعي ولكنه يقع في مخالفة الشريعة، وبين من يجحد بها ويكذبها.

3-التأثر بالطوائف في التكفير:

وأصبح التكفير بالذنوب في مسائل الإمامة ناقلا للإمامة من مسائل الفروع إلى مسائل أصول الدين، وهذا طور جديد متحوِّر من الطوائف ترتب عليه تكفير أهل السنة والجماعة زَرافاتٍ ووُحْدانا  بالذنوب، وحوَّل أهل السنة والجماعة إلى أقليات متحاربة، والفرقة الناجية تكفر الطائفة المنصورة، وأدخل حروب الردة بينهم، بينما كان الخميني يجمع الشيعة في العالم حول ولاية الفقيه، وإن لم يكونوا اثني عشرية، واليهود يجعلون دوينهم قومية جامعة لشتات اليهود في العالم.

4-ماذا يفعل غلاة التكفير بالعرف العشائري قبل القانون الوضعي:

إن الغلو في التكفير بالكبائر أفسد العلاقات داخل البيت السني، وأصبحت المفاصلة بين الكفر والإيمان في القرية الواحدة، ولكن الغلاة يقعون في الحيرة أمام العرف العشائري الذي يخالف الشريعة في العديد من أحكامه،  فطريقة الغلاة تفرض عليهم تكفير العرف العشائري ومن يقضي به، لأن العرف العشائري حكم بغير ما أنزل الله، واحتكام إلى الطاغوت حسب الغلو في ظواهر النصوص، أما حسب قاعدة أهل السنة والجماعة فإن الكفر هو استحلال الحرام وجحود الأحكام،  ويجعل  الغلاة إجماع أهل السنة هذا من الإرجاء، وعلى أصول أهل السنة العشائر تعظم الشريعة ولا تجحد معلوما من الدين بالضرورة كما هو معلوم.

5-ما حكم الغلاة في أهل الشيخ جراح:

أهل الشيخ جراح مسلمون مقدسيون، غُصبت أرضهم وملكية بيوتهم مهدَّدة، فلجؤوا إلى محاكم اليهود ليسترِدوا حقا شرعيا ثابتا، ولكن حسَب غلاة الظاهر فإن احتكام المسلمين في فلسطين إلى محاكم اليهود هو تحاكم إلى الطاغوت، وهو كفر لأن غلاة التكفير يجعلون التحاكم كفرا، دون قيد أهل السنة والجماعة بشرط الاستحلال، ويعاند الغلاة الحكم الشرعي المجمع عليه بأن الكفر جحود الشريعة، وأن أهل الشيخ جراح مسلمون يحمون أرضهم ولو تحاكموا لمحاكم اليهود كان لدفع مفسدة عنهم دون جحود المعلوم من الدين بالضرروة.

6-ما ينبغي الالتفات إليه:

إن الذين كفَّروا بالذنوب بمجرد الذنب كتكفير تارك الصلاة تكاسلا قبل استتابة الإمام، أو التكفير بمسائل الحكم بالقانون الوضعي والولاء والبراء ولو كان صاحب الكبيرة مقرا بالشريعة فإنهم ليسوا خوراج، بل تشبهوا بالخوراج في الجزئي، لأنهم يخالفون الخوارج في الكلي ويوافقون أهل السنة في الكلي، فهم لا يكفرون بكثير من الكبائر، ولكنهم خالفوا أهل السنة في الجزئي ووافقوهم  في الأصل الكلي، هو أصل عدم التكفير بالذنوب، ومَن هذا حاله لا يخرُج من أهل السنة والجماعة، لكن يجب أن يعود إلى إجماعات أهل السنة والجماعة في الكفر والإيمان، وإعادة رد النصوص المتشابهة إلى الكليات المحكمات.

7-تلبيس الغلاة بإطلاق الإرجاء على أهل السنة:

من الطبيعي أن يتخذ غلاة التكفير الذين وافقوا أهل السنة في الكلي في أن الكبائر ليست من الكفر وخالفوهم في الجزئي في بعض المسائل كتكفير تارك الصلاة تكاسلا بمجرد الترك، ومجالس التشريع وإن أقرُّوا بالشريعة، ورمَوا زورا أهل السنة بالإرجاء، أي أنهم يخرِجون العمل من الإيمان.

وهذا ليس غريبا على من رمَى المسلم بالكفر وجعل المسلمين كالمجرمين، دون ضبط العمل المخْرِج من الملة، مع العلم بأن العمل يكون كفرا إذا دل بلا تأويل على الجحود كرَمْيِ المصحف في النجاسة مع العلم والاختيار، ومن سبَّ الذات الإلهية واستهزأ برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا عمل من الجحود للمعلوم من الدين بالضرورة، وبقي أهل السنة على أصلهم الكلي لم ينقضوه، أما الغلاة فلَمْ يفهمُوه.

8-ما قلتُه ليس سِرا ولا رأيا:

تمثل المذاهب الأربعة جذع أهل السنة والجماعة ومعْلَما من معالمهم الفارقة مع الطوائف، وليس التأكد من مصادرهم وأقوالهم صعبا، فما على الباحث إلا أن يذهب مباشرة إلى كتاب الردة، ليعلم مذاهبهم في الكفر والإيمان، بل وينظر في كل باب متخصص لترى تفصيلاتهم بين الكبائر والكفر بجحود معلوم من الدين بالضرورة، في مَعَلَم فارق لأهل السنة والجماعة، والمشكلة هي في التفسيرات المعاصرة للنص الديني، واختراع  إشاعة أن المذاهب الأربعة فارقت الأئمة والكتاب والسنة، ثم تستكِثر من سرد النص وتُقصي قواعد الفهم والإجماع، في فتنة فيها الرَّامي بالتُّهمة أَوْلى بها مِن الـمَرْمِي.

9: للمشركين توحيد الربوبية وللمسلمين كفر الحاكمية:

ما زالت التناقضات في حالات التجديد الديني المعاصر الذي شككت في  المدرسة الفقهية السنية في مذاهبها المتبوعة لا تنتهي، فتجد دفاعا مستميتا عن أبي جهل أنه موحد بالربوبية، بينما يرمون المسلمين بشرك الحاكمية المخرِج من الملة بكل جرأة، وهذا من انقلاب الدين بين يدي الساعة، الذي حدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم، أن تلد الأمة ربتها، فيصبح مشركو الجاهلية موحدين بالربوبية، أما المسلمون فهم مشركون بالحاكمية، مع العرض المتواصل للمتشابهات وإقصاء المحكمات.

الطريق إلى السنة إجباري

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان الرباط

21  -ذي القعدة-1443

 21-6-2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top