جمع الصلوات بسبب المرض في المذهب المالكي (كورونا نموذجا)

تمهيد:

يجيز المالكية للمريض الجمع بين الصلاتين كالظهرين والعشاءين للمرض بصفة معينة، كالمحموم (المريض بالحمى) ومن ينطلق بطنه (المسهول) والقيد في ذلك أن يكون متوقعا في العادة، فإن دخل وقت الأولى ظهرا أو مغربا، ويعلم المريض أنه سيُحم في وقت العصر أو العشاء، أو ينطلق بطنه في هذين الوقتين جاز له الجمع إذا تحققت الشروط.

أولا: مَن المحمُوم الذي يجوز له الجمع؟

إن المحموم الذي يجوز له الجمع هو من يرتعش بحيث لا يتحقق ركن الطمأنينة له في الصلاة بسبب الرِّعْدة في جسمه، وعليه فات الركن وهو الطمأنينة في كل الأركان الأخرى، وأصبح المريض غير قادر على جميع الأركان، ومِن ثَم انتفى شرط التكليف وهو الاستطاعة، لقوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، ومن انتفى عنه التكليف فلا قضاء ولا أداء عليه،  لأنه عاجز عن الصلاة كلها.

ثانيا:المصاب بداء البطن (الإسهال):

وكذلك يقال في المصاب بداء البطن وينطلق بطنه في وقت الثانية كأن يعلمه بالعادة من نفسه، أو بتناول دواء لعلاج مرضه، فإن دوام الحدث، لا تمكن معه الصلاة، لأنه ليس على شرط صاحب السلس، بل هو مرض طاريء مؤقت، فالسّلس لا يُعد حدثا أصلا، أما المريض بالإسهال فليس من السلس لأنه ظرف مؤقت، فإن انطبقت عليه شروط السَّلَس عُمِل عليها.

ثالثا: التقريرات  بناء على ما سبق:

1-إن إجازة المالكية للمريض بالجمع بين الظهرين (الظهر والعصر) والعشاءين (المغرب والعشاء)، ليس على إطلاقه، بل هي حالات لا تصح فيها الصلاة لو بقيت في وقتها، فجاء تقديمها حفاظا على أدائها، فهو جمع تثقيل لا تخفيف، إذ لو أُجِّلت إلى وقتها لسقطت.

2-إن ما يُنسب للمالكية من جواز صلاة المحموم (المريض بالحمى) بسبب كورونا وغيرها ليس صحيحا، وبحثهم لم يستكمل بقية القيود، فليست كل حمى أو مرض يجوز معها الجمع، بل المرض الذي يعجز فيه المحموم عن الطمأنينة، التي هي ركن في كل ركن، كما سبق شرحه.

3- أضف إلى ذلك أن المصابين بالأمراض المعدية سقطت عنهم الجمعة والجماعة، فكيف لهم الجمع الذي هو للمحافظة على الجماعة، وإن كانت الصلاة في بيوتهم فلا جمع لهم، لأن الأصل أن الصلاة في وقتها إلا لسبب خاص في الجمع من جهة الشرع.

4-إن الأسباب والشروط والموانع أحكام وضعية من الشارع لا يجوز الإحداث فيها، وإن الإحداث فيها هو هدم للشريعة، لأن الأحكام الوضعية (الأسباب، والشروط، والموانع) هي البيئة التي تتنزل فيها الأحكام التكليفية (الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والحرام)، والجمع له أسباب منصوصة شرعا لا تجوز الزيادة عليها، لأنها وضع إلهي.

5- إذا أُفسدت الأحكام الوضعية  بالوضع الإنساني الجديد، تحولت الشريعة من كونها إلهية إلى بشرية، وهنا أؤكد أن سبب الرخصة يكون بوضع من الشرع لا من الإنسان، فإن حصلت من الإنسان، سقطت عزائم الشريعة، فلا صلاة في وقتها ولا صيام ولاحج، وأؤكد أن أسباب الوجوب والرخص  بوضع من الشارع ، لا من الإنسان.

6-إن جواز الجمع للمريض بالقيود المنصوصة سابقا، مُفَرَّع على مسألة أصولية، هي: التكليف بما لا يطاق، وعليه تسقط الصلاة قضاء وأداء عن فاقد الطهورين، والمغمى عليه في الوقت، ومثله من هو تحت التخدير في العملية الجراحية بشرط فوات التدارك في الوقت، لانقطاع العقل الذي هو شرط التكليف بالصلاة.

7-يجب التمييز بين المرضى الذين لهم الجمع وهما: المحموم والمبطون العاجزين عن الأركان وشرط الطهارة من الحدث، وبين المرضى الآخرين الذين يقدرون على بعض الأركان كمن يصلي جالسا أو على جنبه، أو العاجز عن الطهارة من الخبث في الثياب، وغير ذلك من صور العجز التي لا تنطبق عليها الشروط السالفة في المحموم والمبطون.

8-يلاحظ أن توقع حالة المحموم والمبطون مستغرقة لوقت الصلاة، ليجُوز له الجمع.

9-هذه الأحكام خاصة بالصلاة ولا يقاس عليها الصوم وبقية العبادات.

10-للمزيد تراجع شروحي على الرسالة لابن أبي زيد القيرواني، وأسهل المسالك للبشار، وقطر السواقي على بحر المراقي للعلوي.

الطريق إلى السنة إجباري

أ.د وليد مصطفى شاويش

24-رجب -1441

19-3-2020

عَمان المحروسة

5 thoughts on “جمع الصلوات بسبب المرض في المذهب المالكي (كورونا نموذجا)

  1. مارس 19, 2020 - عبدالفتاح الجنيدي

    ما شاء الله تبارك الله زودك الله التقوى وبارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا

  2. مارس 19, 2020 - غير معروف

    جزاكم الله خيرا يادكتور

  3. مارس 19, 2020 - Mohamed badini

    جزاكم الله خيرا يادكتور

  4. أبريل 3, 2020 - فيصل حماد

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جزاكم الله خيرا ونفع بكم وزادكم فقها وعلما..

  5. مارس 16, 2021 - غير معروف

    انظر رأي مجمع البحوث الاسلامية وكما علمتنى ان نأخذ برأي معتبر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top