حدث معي أيام التعليم المدرسي… حَـلّ يبحث عن مشكلة

1- خبرة طويلة في التعليم:

مارست التعليم ما يزيد على خمسة وعشرين عاما، سواء كان جامعيا أم مدرسيا، وقد درست من  مرحلة الابتدائية العليا إلى الثانوية، وذات يوم كُلفت بحضور حصة احتياط على طلاب الصف الأول الابتدائي، فظننت أن الأمر سهل، وأنه لا يوجد ما يمكن أن يُعكِّر صفو مكتب المدير الملاصق تماما لقاعة الصف، خصوصا وأن هناك إشارات مؤكدة لزيارة وفد  رفيع المستوى من الوزارة إلى المدرسة، وأكَّد ذلك الكثير من أعمال البر والتقوى والأنشطة غير المعتادة التي ظهرت بشكل فجائي، وغيرت ملامح المدرسة  تماما.

2- خبرتي الطويلة في التعليم لم تنفع:

ذهبت إلى حصة الاحتياط بكل نشاط وثقة، فلم يعجِزني ثانوي ولا إعدادي، فكيف أعجز بالابتدائي الأول والثاني، دلَفْت إلى الصف، وفوجئت بفوضى عارمة، واستخدمت أسلحة ضبط الصف المستخدَمة في الثانوي جميعا، فلم تفلح واحدة منها، وزادت الأمور سوءا على سوء، وكان الاعتراف  بالعجز صعبا، وبالرغم من تكرار المحاولات باءت جيمعها بالفشل، حتى أنقذني الله تعالى بأحد أساتذة المرحلة الدنيا، فسلَّم  علي، وقال ما الأمر؟ قلت له كيف تضبطون هذا القَطْع الصغير من البشر ؟!

3-لا تسْتهِن بخبرة معلمي الصفوف الدنيا:

قال: الأمر سهل، قلت له: أرني كيف، فقال: يا الله، يا ولد! أي واحد يجلس في مكانه بهدوء، سأسمح له بالذهاب للحَمَّـام؟! وإذا بالجميع وكأن على رؤوسهم الطير، ولا تسمع إلا همسا، ويبدو أن العرض كان سخيا، بل زادهم الأستاذ عرضا آخر، وهو أ ن من سيجلس مهذبا، سيكون أول من سيسمح له بالعودة للبيت، ثم استأذن الأستاذ وخرج، وظللت أجلس متأملا في تلك الوجوه الصغيرة، وكيف تم إغراؤها بهذه المغريات العظيمة!! بالذهاب للحمام، مع أنهم ليسوا محتاجين إليه ولم يطلبوه، وسيعودون إلى بيوتهم جميعا فور انتهاء الدوام، وهو أمر معتاد، وما قدمه الأستاذ ليس بشيء أصلا، ولكن كان هذا هو الحل للأزمة.

 4-درس مهم في العلاقات على مستوى الشعوب والدول:

ولم يكن من الأستاذ الكريم الذي علَّمني درسا في العلاقات على مستوى الدول والشعوب إلا أنه صنع الأزمة، وأوهم الطلاب الصغار بها، ثم طرح حلا  جذريا لها مع أنها غير موجودة أصلا، لذا علينا أن ننتبه من المشكلات المفتعلة التي يصنعها خراطو المفاتيح، ويصنعون المشكلة وفق المفتاح الذي بأيديهم، يعني باختصار: حل يبحث عن مشكلة، ولو تأملت حولك، ستجد أن المشهد في المرحلة الابتدائية الدنيا هو مشهد متكرر على مستوى الشعوب والدول.

5-الحل موجود ولكن أين المشكلة:

خلال تطور فكر الدولة وعقلانيتها في مجال تحقيق المنفعة والمكاسب، يجد رهبان السياسة وأحبار المال حاجة لوضع الحل الذي يريدونه أولا، ثم يبحثون عن المشكلة المناسبة لذلك الحل، من أجل فرض حلول مسبقة لمشكلات مفتعلة، وبعد ذلك  تغرق استوديوهات التحليل في تحليل مدى مناسبة الحل للمشكلة، بينما يغرق الساسة في مناقشة مدى مناسبة المشكلة للحل، وليست صناعة الغلو في الدين سوى محاولة فاشلة لتقديم مسوغات للفكر اللاديني والانحلال الأخلاقي حلا وهميا للغلو، ولكن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم هي أوسع لنا، يعني باختصار الحل المسبق هو التحلل من الدين وفكر اللادين، ولكن المطلوب هو صناعة مشكلة الغلو ستارا لمحاربة الإسلام، ليكون اللادين والتحلل هو الحل المناسب والبديل.

.

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

walidshawish.com

14-4-2016

5 thoughts on “حدث معي أيام التعليم المدرسي… حَـلّ يبحث عن مشكلة

  1. أكتوبر 26, 2018 - غير معروف

    ما شاء الله…
    ابداع في التفكير..
    حفظكم الله شيخنا ودكتورنا المبجل

  2. أكتوبر 26, 2018 - Aishaabuasad

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    فعلا دكتورنا الفاضل بما انه نحنا بندر س أطفال بعمر 5 فما دون لمسنا هدا الشيئ حتى أنه تحس الطفل يراك بمثابة الأم والأب له

  3. أكتوبر 26, 2018 - غير معروف

    جزاكم الله كل خير
    وزادكم من علمه وفضله

  4. سبتمبر 2, 2021 - غير معروف

    كلام في غاية الروعة والجمال والإبداع
    جزاك الله خيراً وبارك الله فيك دكتورنا الغالي وليد الشاويش .

  5. سبتمبر 3, 2021 - صالح الماعزي أبو أيمن

    وفقكم الله تعالى شيخنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top