حدث معي … بناء مسجد والصلاة فيه أقل من يوم واحد…أيام ما قبل دعاوى التنازع في الفرقة الناجية

أولا: عرض وتمهيد:

كانت منطقة حي أم تينة من أحياء شرق عمان المحروسة بحاجة إلى مسجد، فاجتمع أهل الحي وقرروا بناء المسجد، كان أهل الحي غير مصنفين ضمن حزب أو جماعة في ذلك الوقت، وكنت وقتها أزاحم العشر سنين من عمري سنة 1977م، وكانت الخطة أن يبنى المسجد في أرض الأمانة على شارع الثلاثين، حيث تلال الرمال، ووراءها بيوت الصفيح في مخيم الوحدات شاهدة على حجم الجريمة الواقعة على المسلمين في أرض فلسطين.

ثانيا: وضع الخطة:

وُضعت الخطة محكمة من قِبل قامات الحي العليا وجلهم من أصحاب المهن البسيطة، وكان موعد التنفيذ هو مساء الخميس، بعد انتهاء دوام الأمانة، حيث توفرت مواد البناء جميعا في مكان قريب، وتم ترتيب كيفية نقلها إلى موقع المسجد بالسرعة الممكنة، إلا أن العقبة الكأداء هي كيفية إدخال جرافة الجنزير لتمهيد التلال الرملية لأرض المسجد، فقد كان هناك رقيب سير متشدد يمنع كل شاحنة غَصْبا، وهو التهديد الوحيد الذي قد يفشل الخطة برمتها.

ثالثا: عقبات في طريق التنفيذ:

 ولكن وتولى سائق الشاحنة وهو أحد سكان الحي أيضا بإقناع رقيب السير بالسماح للشاحنة التي تحمل جرافة الجنزير بالدخول للمنطقة، وعندما تحدَّث مع رقيب السير وأعلمه أن الجرافة ستدخل لتمهيد الأرض لمسجد، فما كان من رقيب السير إلا أنه بدأ يلعن ويشتم  كل من تُسَوِّل له نفسه بمنع دخول الجرافة، وأن الجرافة ستدخل من أجل المسجد مهما كانت الظروف، والمسجد فوق الظروف.

دخلت الجرافة ومهَّدت أرض المسجد، وأصبحت أرض المسجد وكأنها خلية نحل، يعمل فيها النجار والحداد والقصير والبليط والعمال من كل حدَب وصوب، وكلمة الحي واحدة والبشاشة ترتسم على وجوه الجميع رجالا ونساء وأطفالا، والغريب في الأمر أن منهم من المشهورين بالتقصير في أمور الدين، ولا أنسى هنا دور الفتيان الصغار الذين أخذوا بالتهديد والوعيد لو حاول أحد أن يمس المسجد، وقد تم سقف المسجد بالصفيح، وصلينا فيه الجمعة، وخطب الجمعة صاحب الدكان الشيخ “سعادات” -رحمه الله تعالى، الذي كان يسمع بيوت الحي المعدودة خطب الشيخ كشك من دكانه عبر المسجَّل، وكانت خطبته الأولى هي خطبة الشيخ كشك تماما، وبأداء منقطع النظير.

رابعا: أصحاب المهن وسياسة أرض الواقع:

جاءت الأمانة صباح السبت ووجدت المسجد أمرا واقعا، والصلاة فيه قائمة، ولافتة مسجد بلال بن رباح كتبت على لوح من الصاج مدهون بخلفية سوداء وخط أبيض، ثم بدأت المفاوضات على أرض للمسجد، وبعد سنين حصل أهل الحي على أرض بديلة للمسجد، وسمي مسجد أنس بن مالك، وهو من أربعة طوابق ومساحات واسعة، ومشهد من مشاهد الإسلام في المدينة.

خامسا: الخصومة في الدين شر أنواع الخصومة بين المسلمين:

1-لا يدري رقيب السير بعمله القليل، قدر جبال الحسنات التي كان سببا فيها وهو بناء مسجد، وما في ذلك المسجد من أعمال الخير والصلاة والدعوة، كذلك لم تكن لدى الذين بنَوا المسجد في أقل من يوم واحد، تلك الخصومات الحزبية والمذهبية، التي بدأت بالتسلل إلى ساحات المسجد، بالإضافة إلى جدليات فقهية لا يترتب عليها ثمرة.

 2-ولا أدري لو كانت مثل تلك الخصومات والجدليات الفرعية موجودة عند بناء المسجد، وأصبحت دعوى الفرقة الناجية مهيمنة على أطراف النزاع، وأن المسجد سيكون مسجد الضرار إلا إذا كانت السيطرة فيه للفرقة الناجية، وماذا يمكن أن تصنِّف الفرقة الناجية رقيب السير؟وهل أصحاب المهن الذين بنوا المسجد من الفرقة الناجية أم لا؟ وماذا عن سائقي التكسي الذين يوقفون سياراتهم للصلاة، ولم يخضعوا لتصنيف الفرقة الناجية حسب دعوى كل جماعة؟.

3-ولو كانت مثل هذه الخصومات ودعوات الفرقة الناجية المتنازعة موجودة، هل سيتفق أهل الحي على الشيخ سعادات رحمه الله رحمة واسعة أول خطيب للمسجد، أم أن الخطبة الأولى ستكون هي المِحَك لموازين القوى الحزبية والمذهبية والانتخابية، على طريقتها في الاستئثار والهيمنة، بناء على أنها هي الممثل الشرعي والوحيد للإسلام؟ وأنها هي صاحبة الإنجاز والدور المحوري في بناء المسجد؟ 

4-وهذه ذكريات عمري عندما كنت أُناهز العشر سنين، واليوم أُطل على تلك العشر سنين، وأنا أزاحم الخمسين سنة من من سِنِيِّ عمري، وقد أصاب المسلمين ما أصابهم من الخصومة في الدين، وكلما جاءت مصيبة رقَّـقَت ما قبلها من المصائب، وكان المسلمون يظنون أن مصيبة المسلمين في فلسطين لا تعدلها مصيبة، ثم لحقت بها الشام والعراق وغيرها، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الطريق إلى السنة إجباري

وكتبه

عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

غفر الله له ولوالديه

 https://www.facebook.com/drwalidshawish/#

صبيحة الجمعة المباركة

عمان المحروسة

4-10-2016

1 thought on “حدث معي … بناء مسجد والصلاة فيه أقل من يوم واحد…أيام ما قبل دعاوى التنازع في الفرقة الناجية

  1. نوفمبر 4, 2016 - غير معروف

    اللهم ردنا إلى دينك واجعلنا من المعتصمين بحبلك المتين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top