حكم عمل المرأة كحكم عمل الرجل لا يختلفان

الملخص

لم يتناول فقهاء المسلمين عمل المرأة المسلمة كفكرة إشكالية، بل تعاملوا مع عمل المرأة على أنه أمر طبيعي  لا يثير جدلا ولا ريبا من ناحية الشرع، ونظموا أحكاما جزئية لكل تصرف للمرأة أو الرجل، ذلك لأنهم يبنون الحكم على فعل المكلف، وقد برزت هذه الإشكالية في أروبا في ظروف خاصة بين الفكر الكنسي واللاديني، وتم استيراد الإشكالية للعالم الإسلامي مع جملة الإشكالات والتناقضات القادمة من الغرب القائمة على ثنائيات القطيعة بين الديني والمدني والوطني، والرجل والمرأة، وصاحب العمل والعامل، والحاكم والمحكوم، والإنسان والطبيعة، ونحن المسلمين لنا مرجعيتنا الواضحة في الحق، القائمة على ثنائية المشاركة، في قوله تعالى: (وقل الحق من ربكم)، ولا ناقة لنا ولا جمل في ذلك الصراع في الفكر الغربي، بل نحن في أمس الحاجة للنهضة من قبضة التخلف التقني والاقتصادي.

*******

كثيرا ما سمعنا عن حكم الشرع في عمل المرأة، وهو أن تلتزم المرأة باللباس الشرعي، وأن تعمل في مكان يحفظ كرامتها، وأن لا يكون في موقع العمل اختلاط محرم إلى آخر ذلك من الشروط التي توضع لعمل المرأة، ووددت أن أعلق على هذا العنوان: حكم عمل المرأة، في المحاور الآتية:

أولا: نظرة في طبيعة الشروط السابقة:

هل هذه الشروط خاصة بالمرأة؟ أم أن الرجل يشاركها فيها؟ بمعنى هل يجوز للرجل أن يخرج عاريا للعمل، أم يجب يجب عليه أيضا أن يلتزم باللباس المشروع للرجل، وهل يجوز الاختلاط للرجل ويحرم على المرأة؟ وهل يجوز للرجل المسلم أن يعمل في مكان لا يحفظ كرامته، وإذا كانت شروط عمل المرأة هي ذاتها شروط عمل الرجل، وأرجو التأكيد على أن نقطة الحوار هي عمل المرأة بوصفه عملا، ولا يعني أن هناك أحكاما خاصة بالمرأة أنها لا علاقة لها بالرجل، وهذا يقود إلى مقالة قادمة هل يصح تعبير فقه المرأة أصلا أم لا يصح، وهذا ما سيعالج في مقالة مستقلة.

ثانيا: استنزاف فكري:

تمثل هذه الأفكار العامة استنزافا فكريا للعقل المسلم، نظرا لأن هذه المقولات لا تنطلق من الفقه نفسه، بقدر ما تنطلق من محاولة إعلامية ثقافية تريد أن تخدم الإسلام، دون أن تمر بمصفاة الفقه الإسلامي، القائم على أسس علمية موضوعية، فقضية عمل المرأة لم تكن قضية إشكالية يوما من الأيام عند المسلمين، ولم يناقش الفقهاء عمل المرأة كفكرة عامة، بل تكلموا عن أفعال بخصوصها، وتحدثوا عن كل فعل من أفعالها على نحو يبتعد عن العموميات، ويناقش الجزئيات، ولم يكن عمل المرأة كفكرة يوما مطروحا على بساط الفقه الإسلامي على أنه إشكالية، إلا بعد انطلاق حملات الغزو الثقافي ضد المسلمين في مطلع القرن الماضي، حيث تم تهريب المشكلة من الغرب، عبر حدود المسلمين دون أي جمارك فكرية، وأصبحت هذه الفكرة تتعاطى على أنها إشكالية فعلا، دون شعور بأن الإشكالية قاصرة على البيئة التي ولدت فيها، ولا علاقة للبيئة الإسلامية بهذا المنتج الثقافي المستورد.

ثالثا: لماذا لم يناقش الفقهاء السابقون فكرة عمل المرأة؟

إن الجواب على هذا السؤال هو لأنك في هذا العصر لا تناقش حلاوة السكر ومرارة الحنظل، لأن هذه أمور لا يختلف فيها الناس، وهي أمور طبيعية لديهم، فهم يشربون الشاي بالسكر كل اليوم، ولا حاجة لديهم لتعريفهم بالسكر، وكذلك الحال بالنسبة لعمل المرأة بصفة عامة عند المسلمين، لم يكن مطروحا على بساط البحث لأن المرأة كانت تعمل أصلا، وتتعلم وترد الأسواق، وتبيع وتشتري وتتملك، بل وتشارك في الغزو مع الجيش، ولم يتحدث واحد على مر التاريخ الإسلامي ما خلا القرن الماضي، في أصل عمل المرأة بهذه الطريقة، لأن الأمر كان أمرا طبيعيا، ولم يكن إشكاليا.

رابعا: استعارة مشكلات الآخرين ونبذ مشكلاتنا وراء ظهورنا:

إن الحديث بعقل المسلم في مشكلات الغير، بطريقة فكرية بعيدة عن النهج الفقهي في التعامل، أدى إلى غرقنا في مشكلات وهمية، وتخلينا عن المشكلات الحقيقية التي يعاني منها عالمنا الإسلامي، من الجهل والتخلف الاقتصادي والتقني، فترى جيلنا المسلم يتحدث في تلك المشكلات المهرَّبة على أنها مشكلته فعلا، بينما يخرج متباطئا متثائبا إلى الجامعة والمصنع والمختبر، وكان جديرا به أن يناقش مشكلته الفعلية في تخلف التقنية والصناعة والتراجع الاقتصادي، لا أن نملأ الدنيا حوارات في حلقة مفرغة في مشكلة متوهمة، وقد وددت لو تناقش البرامج الحوارية في الندوات وبرامج الحوار مشكلتنا الحقيقية وهي:أين المسلمون في المختبر والمصنع، وأين أخلاق المسلم في المصنع والمختبر، وليس مناقشة تلك المشكلات المهربة دون جمرك فكري على الأقل، يخضعها للرقابة قبل التداول.

خامسا: أين الأولوية؟

لاختبار حقيقة الفكرة، أرجو أن تطرح سؤالا على جلسائك الليلة، وقل لهم ما حكم عمل المرأة في الإسلام؟ ستجد كلا منهم يدلي بدلوه في الموضوع المهرَّب إياه، وبكفاء عالية، ثم سَلْهم عن معنى “الصمد” في قوله تعالى : (الله الصمد)، ستكتشف الحقيقة بنفسك، أن هذه الأفكار العامة كانت على حساب أولوياتنا الخاصة في النهضة والتصنيع والفهم عن الله ورسوله، وأن الإفراط في الحديث في هذه الفكرة المهربة وأخواتها ما هو إلا قَضْم لأولوياتنا وضرورياتنا، واستعارة لمشكلات الغير واستئجارها، بديلا مُسلِّيا وجالِبا للترفيه الفكري، والفرفشة الثقافية على أنقاض الأمية، والتخلف التقني والاقتصادي الذي ترزح تحته هذه الأمة.

وكتبه

د. وليد شاويش

في عمان المحروسة

26-8-2014م

2 thoughts on “حكم عمل المرأة كحكم عمل الرجل لا يختلفان

  1. مارس 10, 2022 - د. محمد لفريخي

    مقالات متميزة للدكتور العزيز دائما تنيرن وتزيح ما يثار من غبار في المسار
    كل التقدير والاحترام

  2. مارس 10, 2022 - غير معروف

    نعم دكتورنا الفاضل….
    هو خلل بدأ من الفهم الخاطئ عن الله ورسوله؛وترتب عليه ما ترتب من النتائج ..
    لكن غدا هو الأجمل ؛ بفضل الله ثم بفضل جهودكم الجبارة وعطاءكم بلا حدود.
    سيزهر جيلا ينبذ كل عرى الكسل والفشل واللامسؤولية .جيلا يعتز ويفخر بهذا الدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top