حوار مع أخي الحلقة (8) هل مجموع: مَثْنى وثُلاثَ، ورُباعَ هو تسع زوجات (2+3+4)؟!

دلَفْت إلى القاعة التي أدرس فيها مادة المواريث، وشرعت في المحاضرة بعد الترحيب والسلام على الأبناء الطلاب والطالبات، ثم بدأت بشرح الأنصبة في الميراث، من نصف، وربع، وغير ذلك، ولكن رأيت أن الحديث الرياضي في تقسيم الميراث أصبح ثقيلا، فقلت في نفسي لا بد من شيء أقطع به هذا الجفاء الرياضي، وجرى الحوار الآتي:

وليد: إذا ترك رجل ثماني زوجات وليس له أبناء، فهل تأخذ كل واحدة ربعا، أم هن كلُّهن شريكات في الربع؟

أحمد: كيف يترك ثماني زوجات، والحد الشرعي هو أربع؟!

وليد: قلت هناك شذوذ مضحك في بعض التفسيرات، للآية الكريمة: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) سورة النساء، جزء الآية 3.

أسعد: كيف وصل الأمر إلى ثمانية زوجات وربنا تعالى يقول : وَرُبَاعَ؟!

وليد: قال أحدهم بناء على فهمه الخطأ أن المباح في تعدد النساء هو تسع!!!

عائشة: كيف وصَل إلى تسع؟!!

وليد: جمع على النحو الآتي: مثنى = 2، وثلاث=3، ورباع=4، وبعد الجمع يكون المجموع: 9، وعليه يكون مجموع المباح من الزوجات تسع، فكيف تَردّون على هذا الجمع الشاذ؟

عائشة: خالف الإجماع.

أسعد: هذا التفسير غير معقول، وليس من فهم الصحابة.

وليد: أريد ردًّا من اللغة على هذا التفسير الشاذ، هل هذا التفسير تقبله اللغة؟

عائشة: أكيد لا، وفهم الصحابة رضي الله عنهم أولى بالاتباع.

وليد: كيف فهم الصحابة هذا النص الشريف لغويا، وهم أهل الفصاحة والبيان، أين مفتاح الجواب.

خالد: أكيد مفتاح الجواب في الإعراب.

وليد: هل ثُلاثَ، ورُباع ، منونة أم هي ممنوعة من التنوين، بمعنى أنها ممنوعة من الصرف (التنوين).

خالد: ممنوعة من التنوين، فهي غير منونة، يعني ممنوعة من الصرف.

وليد: ولكن لماذا حُرِمَت ثُلاثَ ورُباعَ من التنوين، فجاءت ثُلاثَ، ورُباعَ، مع أن الأصل فيها “ثَلاثًا”، و”أربعًا” منونة (مصروفة)؟ وأرجو أن تعلموا شيئا من أسلوب العرب في كلامهم، وهو أنهم إذا خرجوا في كلمة عن أصل من أصولهم في كلامهم، منعوها من الصرف أحيانا، ويأتي هذا المنع علامة على أن الكلمة الممنوعة من الصرف خرجت عن أصل سابق، فما هو الأصل السابق لثُلاثَ، ورُباعَ؟ فمثال العدول عن الأصل: كلمة عُمَر، فحرمت من التنوين لأنها خرجت عن الأصل، فما أصل عُمر؟ السؤال يتكرر على الطلاب…، وأجاب أخيرا أحد الطلاب .

أمينوف (طالب روسي): عمر ممنوع من الصرف، لأنه معدول عن الأصل، وهو عامر، لذا مُنِع عمر من التنوين.

وليد: أحسنت يا أمينوف، أنت عروبي حتى النخاع، لأن العروبة ليست عِرْقا، بل هي لسان، وللعربي من عروبته بقدر معرفته في لغته العربية وحبه لها.

   سبب العدول يا أبنائي في مثنى وثُلاثَ ورُباعَ، هو أن أصلَ مثنى هو اثنين اثنين، وثُلاث أصلها ثلاثا ثلاثا، ورُباع أصلها أربعا أربعا، فلو قال الأستاذ لطلابه في الابتدائية: أدخلوا الصف اثنين اثنين، أو ثلاثا ثلاثا، فهل يعني ذلك أن دخول الصف في المرة الواحدة، كل اثنين مع بعضهم، وكل ثلاثة طلاب مع بعضهم وهكذا، أم يدخلون كل أربعة معا، إذا قال ثُلاثَ، ورُباعَ؟

عائشة: طبعا يدخلون في كل مرة اثنين، ولا يجوز اجتماع أكثر من اثنين في الدفعة الواحد، وإذا قال ثلاثة ثلاثة، فهذا يعني أن لا يزيد الداخلون في المرة الواحدة من الطلاب على ثلاثة، وهذا يفهمه طلاب الابتدائية جيدا عندما يقول لهم الأستاذ ادخلوا اثنين اثنين، أو ثلاثا ثلاثا، وكذلك لو قال ادخلوا أربعا أربعا، فلا يجوز أن يزيد عدد الداخلين من الطلاب في المرة الواحدة على أربعة طلاب في قول الأستاذ أربعا أربعا.

محمود: إذا كان الأمر كذلك فإن مثنى في الآية تساوي اثنتين اثنتين في العصمة الواحدة، فلا يجوز اجتماع أكثر من زوجتين معا في عصمة الرجل، وفي ثُلاثَ تعني ثلاثا ثلاثا ،لا يجوز اجتماع أكثر من ثلاث زوجات معا، ورُباعَ تعني أربعا أربعا، يعني لا يجوز اجتماع أكثر من أربع زوجات معا في عصمة الرجل، وهذا المعنى يفهمه طلاب الابتدائية عندما يقول لهم أستاذهم ادخلو الصف اثنين اثنين، فهم يفهمون أن المطلوب أن لا يزيد عدد الطلاب في المرة الواحدة على اثنين مجتمعين.

سمير: أنا أتعجب أن سببب سوء الفهم في كتاب الله تعالى الذي أدى إلى هذا الشذوذ والقول باجتماع تسع نساء في عصمة الرجل هو الجهل بالنحو!! وأغرب من ذلك أن الذي سبب هذا اللبس هو الجهل بطبيعة الممنوع من الصرف، وأن مَـنْع ثُلاثَ، ورُباعَ من التنوين هو الذي نسف هذا القول الجاهل، باجتماع تسع نسوة في عصمة الرجل، ولو كانت منونة ثلاثًا وأربعًا، لكان الجمع بين تسع نساء في عصمة واحدة مقبولا في اللغة، ولكن الجهل بالمنع من التنوين (الصرف)، حمى الناس من اللَّبس في الفهم في كتاب الله تعالى.

وليد: بما أن المنع من الصرف هو الذي بيـَّن المعنى الصحيح في الآية الكريمة، ويعجز الإنسان عن الرد على الأقوال العبثية في تفسير الكتاب العزيز بسبب عدم معرفته بباب واحد من أبواب النحو، وهو الممنوع من الصرف، فكيف لو كان لا يعرف جميع النحو والصرف؟!

أسعد: لا بد من دراسة النحو فهو آلة لفهم لكتاب الله تعالى.

عائشة: حرام، هناك الكثير من الناس من يتكلمون في معاني كتاب الله تعالى بغير علم، ولو أنهم سكتوا لَسَلِموا وسَلِم الناس، ومع الأسف هناك جرأة واقتحام على النصوص الشرعية من بعض الجاهلين باللغة وعلومها، ومن المفروض قبل أن يبدأ الواحد منا معهم في الحديث، لا بد أن يسأل عن المؤهلات اللغوية لهؤلاء المـتَـعَدِّين حدودهم، ويظنون أن عبثهم وجهلهم علما، وأن القول في معاني القرآن والسنة هو من باب وجهات النظر والحرية الشخصية.

وليد: إذن، نعود إلى ميراث الزوجات، فإن لم يكن أبناء للمتوفَّى فإنه يشتركن في الربُع، وإن كان له أبناء فهن يشتركن في الثمُن، أما قصة ثماني زوجات فقد كانت من قبيل الاستفزاز العلمي ليس أكثر لتنشيط المحاضرة، ….

وكتبه الفقير إلى عفو ربه

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة، صبيحة الجمعة المباركة

1/5/ 2015

2 thoughts on “حوار مع أخي الحلقة (8) هل مجموع: مَثْنى وثُلاثَ، ورُباعَ هو تسع زوجات (2+3+4)؟!

  1. يوليو 2, 2019 - غير معروف

    جزاكم الله خيرا وبارك بكم يا دكتور وليد

  2. يوليو 2, 2019 - عبدالفتاح الجنيدي

    أحسنت وابدعت بوركت وجزاك الله خيرا افرحتني من كل قلبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top