خطورة عدم التمييز بين النقل والوضع اللغوي على المعرفة (6) الجورب الذي يجوز عليه المسح شرعا بين عُرْف الشرع وعُرف تُجار الملابس

أولا: عرف الشرع في الجوربين:

تلقى التابعون رحمهم الله تعالى دينهم قولا وعملا من الصحابة رضي الله عنهم، وعندما رأوا الصحابة رضي الله عنهم يمسحون على الجوربين، حرصوا على وصفهما من حيث الثخانة، وإمكان متابعة المشي فيهما في السفر، حتى ينقلوا دين الصحابة رضي الله عنهم على النحو الذي أخذوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سندا في الدراية طبقة بعد طبقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشرع الم ينقل كلمة الجورب عن وضعها اللغوي إلى معنى جديد، كما نقل الصلاة من الدعاء إلى الأفعال المبتدأة بالتكبير المنتهية بالتسليم، والصوم من مطلق الترك كان طعاما أو كلاما أو حربا إلى الامتناع من المفطرات من الصبح للغروب بنية، وهكذا، فإننا نقول الجورب الذي يمسح عليه شرعا يكون توقيفيا من جهة الشرع، وباعتبار الشرع نسميه وضعا أول، وباعتبار اللغة نسميه وضعا ثانيا، كذلك الصلاة والصوم الشرعيان فهما باعتبار الشرع يكونان وضعا أول، وباعتبار اللغة يكونان وضعا ثانيا، وهو ما يعرف بالنقل .

ثانيا: عرف الناس في الجوربين الوضع الثالث):

ولكن لما تطورت الحياة، وتوسع الناس في ملبوساتهم، أطلقوا على ما يلبس في القدم من القماش الرقيق جوربا، وإن خالف هذا اللفظ، حقيقة الجورب ومعناه في عرف الفقهاء، ذلك الجورب الذي مسح عليه الصحابة رضي الله عنهم، فالمعنى والحقيقة مختلفة، بين الجورب في عرف الشرع، وبين الجورب في عرفِنا اليوم وهو الوضع الثالث باعتبار اللغة، والفرق بينهما كالفرق بين المشتري بوصفه كوكبا في المجموعة الشمسية، والمشتري باذل الثمن في عقد البيع، أو يمكن اعتباره مشكِّكا، أي يشك الناظر إليه هل هو الجورب بالوضع الثاني الشرعي، أم بالوضع الأول اللغوي، وعلى فرض أنه مشكك فإن الرخص لا تناط بالشك، وتسقط لأنها على خلاف الأصل، فلا يجوز المسح على الجورب حتى لو كان اللفظ مشككا؟

ثالثا: عاقبة عدم التمييز بين الأوضاع اللعوية الثلاثة:

1-وقد أدى هذا المشترك على اعتبار عدد الأوضاع الثلاثة إلى اللَّبس بين معنيين مختلفين في حقيقتهما: بين الجورب الشرعي  الذي يجوز المسح عليه شرعا، وبين الوضع العرفي ما أطلق عليه في عرف صانعي الملابس وتجارها جوربا، فالتبس على الناس اليوم فعل الصحابة، واشتراط السلف شروطا لما يجوز المسح عليه من الجوارب في المعنى الشرعي، وأصبح العرف الحاضر يلغي الشرع الظاهر، مما أدى إلى تبديل الأحكام الشرعية وبطلان الصلاة بسبب عدم التمييز بين الأوضاع الثلاثة.

2-ومما زاد الطين بِلَّة والمريض عِلَّة، أن من زعم  أنه لا دليل على ما اشترطه السلف في الجوربين في جواز المسح من الشروط الزائدة كالثخانة ومتابعة المشي وعدم نفوذ الماء، مع أن السلف تلقوا الدين قولا وعملا، وليس من طريق الألفاظ فقط، هذه الطريقة عند بعض الناس أدت إلى اللبس بين المشتركات اللفظية، على النحو الذي ذكرته في التصوير الشمسي (الفوتوغرافي) سابقا، وغيره من المشتركات اللفظية.

رابعا: السلف تلـقَّـوا الدين قولا وعملا:

إن الخطورة الكامنة هي بمخالفة فهم السلف العميق المتصل رواية ودراية بالصحابة، مما أدى إلى تهديد عزائم الشريعة، وأن تتحول الرخصة المشروعة، إلى مِعْول لهدم عزائم الدين المتمثلة في غسل القدمين في الوضوء، فيكفيك أن ترى في أماكن الوضوء المسح على الجوارب الرقيقة، التي أصبحت لباسا معتادا صيفا وشتاء، دون مراعاة شروط الشريعة في المسح الواردة في فعل الصحابة، وشروط المذاهب الفقهية المعتمدة، ولا نأمن أن يأتي جيل بعدنا يقول: إذا كان الجورب رقيقا فَـلِم لا نعتبره كالعدم، ونجيز المسح على القدمين دون جورب، وهو مذهب الشيعة، أليست مخالفة السلف كانت سببا في هذا الجنوح ذات الشمال في الوضوء الذي هو شرط في عمود الدين وهو الصلاة.

مقالة ذات علاقة:

المسح على الجوربين في مدارس فقه السلف … هل أمسح على الجوربين الرقيقين؟ الخطأ في الكلي ليس كالخطأ في الجزئي

وكتبه عبد ربه وأسير ذنبه

د. وليد مصطفى شاويش

غفر الله له ولوالديه

عمان المحروسة

13-5-2017

2 thoughts on “خطورة عدم التمييز بين النقل والوضع اللغوي على المعرفة (6) الجورب الذي يجوز عليه المسح شرعا بين عُرْف الشرع وعُرف تُجار الملابس

  1. يناير 17, 2020 - ابراهيم احمد ابو العدس

    فتح الله عليكم

  2. يناير 17, 2020 - أنوار صبابحة

    جزاك الله خيراً دكتورنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top