دعوة نقابة المعلمين إلى الإضراب نظرة فقهية متوازنة

المُلَخَّص

أعرض في هذه النظرة جملة من المرتكزات التي يمكن أن ينطلق منها الحكم الفقهي المتوازن في مسأله إضراب المعلمين، وأهم هذه المنطلقات أن الشريعة لا تجيز تحقيق مكاسب أو تقريرها عن طريق الضغط، وضرورة كفاية المعلم وتوفير العيش الكريم له، وأهمية الخبرة الاقتصادية التي تحدد ما يكفل ذلك، ولا يحق للمعلم إن وقع عليه ظلم أن يظلم الطالب فيهضمه حقه، لأن من ظُلِم لا يَظْلم، والنظرة العادلة المتوازنة المنطلقه من الشريعة قادرة على حل الإشكال، بين النقابة والحكومة، وحماية حق الطالب في التعليم، والنظرة الأحادية إلى مصلحة طرف دون الآخر، تعمل على إدامة المشكلة وتعميقها.

*****

ليست هذه المقالة للحكم على الإضراب شرعا، بقدر ما تسعى إلى تحديد علامات على الطريق للوصول إلى الحكم الشرعي الموضوعي، الذي لا ينحاز إلى المعلمين أو إلى الحكومة في تجاذباتها مع النقابة، ويمكن تحديد هذه المرتكزات بالنقاط الاتية:

أولا: وظيفة الدولة الحديثة:

وظيفة الدولة الحديثة كافلة للحاجات الأساسية لأفراد المجتمع، سواء للعيش الكريم للمعلم، أو خدمة التعليم للطالب، وإن نشأة النقابات كانت في ظل الديمقراطية التي يتم فيها الاحتكام إلى قوة الأكثرية، والتي في الغالب تقع تحت هيمنة رأس المال وسطوته، دون وجود مرجعية ثابتة للحق، بمعنى أن الحق يتقرر حسب الأكثرية، فأكثرية اليوم هي أقلية الأمس، والعكس صحيح، فنَشَأت هذه النقابات لتشكل قوة ضغط في مجتمعات تفتقد المرجعية الثابتة العادلة، وهو أمر يجب أن يكون مختلفا عند المسلمين، الذي لديهم شريعة منزلة من عند الله تعالى فيها مقاطع الحقوق، ولا يحتاج الضعيف إلى إضراب أو اعتصام، لإثبات حق أو الحصول عليه، بل الشريعة والمؤسسات القائمة على تنفيذها، هي التي تقرر الحق لجميع الأطراف من: معلمين، وحكومة، ومتلقي التعليم وهو الطالب؛ وبناء عليه لا يوجد مكاسب وحقوق تقررها القوة، ولا تجيز الشريعة اكتساب الحق عن طريق قوة الضغط أبدا، وأن اكتساب الحق يكون خلال ما تقرره الشريعة الإسلامية العادلة، لا ميادين القوة والتأثير، فمن اكتسب مالا ونفوذا لم تقره له الشريعة، فقد قطع لنفسه يوم القيامة قطعة من النار، وإن كان له حق فعلا فيجب أن يأخذه بقوة القضاء.

ثانيا: الوفاء بالعقد واحتكار الدولة لخدمة التعليم:

بالتأكيد يخاطب المعلم بالوفاء بالعقد المبرم بين الدولة والمعلم، في جميع الالتزامات المتفق عليها بين الطرفين، ولابد من الأخذ بعين الاعتبار أن الدولة تحتكر خدمة التعليم، وهي تحدد الأجرة بسبب هيمنتها على سوق خدمة التعليم، مما يعني أن هناك إشكالا في التعاقد يؤثر في إرادة المعلم ومن ثم التزامه بالعقد، ومن الشروط عدم جواز عمل المعلم مع جهات أخرى، بالرغم من عدم كفاية راتبه لحد الكفاية، وهو أمر مجحف بحقه لاسيما وأن خط الفقر قد تجاوز راتبه الذي يتقاضاه بكثير، مما يعني أننا في الحكم الشرعي بين أصلين: أصل منهي عنه وهو احتكار الخدمة، وأصل آمر يأمر بالوفاء بالعقد، ومن ثم يصبح بيان الحكم الشرعي صعبا في ضوء تعارض الاحتكار بوصفه أصلا من أصول النهي، وأصل الأمر بالوفاء بالعقد بوصفه أصلا شرعيا موجبا للوفاء، ويتأكد هذا الأصل بأن التعليم حق للطالب واجب على الدولة والمعلم معا، وإذا ظُلم المعلم، فلا يجوز له أن يظلم الطالب، ويحرمه من حقه في التعلم، وقد حذرت الشريعة من استخدام الضعيف وسيلة ضغط على أطراف الخصومة في قوله تعالى: (لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ)، فلا يجوز لأحد الزوجين أن يتخذ من الأبناء وسيلة للضغط على الآخر، وهو مبدأ راسخ في كل نزاع بين طرفين.

ثالثا: أهمية الخبرة الاقتصادية:

ضرورة استشارة الخبرة الاقتصادية، في مقدار العيش الكريم للمعلم، وتوفيره له، لأهمية الواجب الذي يضطلع به المعلم، وأن ضرورات الدولة لا تضيق بهذه الخدمة الحيوية والقائمين عليها، وإن خيارات المجتمع وضرورات الدولة يمكن أن ينسجما إلى مسافة طويلة، ولكن في مرحلة ما تصبح ضرورة الدولة والجماعة مقدمة على خيارات المجتمع، فهل يتعارض توفير حد الكفاية للمعلم مع ضرورات الدولة فعلا، وهل هناك أولوية أعظم من التعليم يمكن أن تقدمها الدولة عليه، وهل رسمنا في مجتمعنا خارطة الأولويات التي تعظِّم الحق والشرع، وفرض الكفاية في التعليم والاقتصاد، والطب، وغيرها، لا أرغب أن أكون هنا مقررا بقدر ما أود أن أكون منصفا في بيان أطراف هذا الموضوع الجلل الذي يصيب كل بيت.

وكتبه

د. وليد شاويش

عمان المحروسة بإذن الله تعالى

23/8/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top