قاعدة الفرق بين الحذف النحوي والبلاغي قال تعالى( واسأل القرية)

تمهيد:تكامل العلوم الإسلامية:

كما أن العلوم الشرعية تتكامل كتكامل علم الحديث والفقه والأصول، فكذلك علوم اللغة تتكامل في فهم مراد الله تعالى في تفسير كتابه، ومن الخطورة أن إقحام شقاق مصطنع بين الصناعات الثقيلة في العلوم الإسلامية، واليوم أتحدث عن التكامل بين صناعتين: صناعة النحو والبلاغة، كما تكلمت سابقا عن تكامل الحديث وعلم الفقه وأصوله.

1-مقاصد الحذف النحوي ما يعرف يحذف:

يجوز الحذف في النحو إذا عُرف المحذوف، على قاعدة ما يُعرف يُحذف، مثل كيف خالد: فتقول: مريض، ولا تكرر:خالد مريض، ففي التركيب النحوي لا يُبحث عن مقتضى حال السامع منكِرا أم مُقِرًا، بل غاية علم النحو صيانة اللسان عن اللحن، فقد يكون الكلام صحيحا في التركيب النحوي، ولكنه لا يكون مناسبا لحال السامع، كأن تقول لمن يشك في وجود خالد في البيت: تقول خالد في البيت، فهذه صحيحة نحوا، ولكنها ليست بليغة، لأن المتكلم لم يراعِ حال السامع في الشك، بل جاء له بجملة خالية من التوكيد الذي يحتاج إليه الشاك أو المنكِر، كأن يقول: إن خالدا في البيت، أو بالقسم: والله خالد بالبيت، إلى غير ذلك من أساليب التوكيد، وعليه فتصح العبارة نحوا لكنها لا تكون بليغة إذا لم تراعِ مقتضى الحال في السامع.

2-مقاصد الحذف البلاغي مراعاة حال السامع:

إن الحذف في البلاغة يقصد به مراعاة حال المتكلم فيؤكد له الكلام بالحذف إذا كان شاكا، كقوله تعالى: (واسأل القرية) فحذف أهل القرية، للتوكيد للمنكِر، لأن يعقوب عليه السلام اتهمهم في صدقهم، فكان مقتضى الحال التوكيد بقوله تعالى: (واسأل القرية)، أي توسَّع في السؤال حتى تسأل من القرية ما لا يُسأل، كالشجر والجدران والبيوت فضلا عن سؤال جميع أهلها، كما تقول مؤكدا للمنكر: والله إن هذه الشجرة تشهد لي، وهي ليست من أهل الشهادة، وقصدك أنك تؤكد صدقك في التوسع في السؤال إلى حد أنك تَسأل ما لا يُسأل كالشجر.

3- مقاصد الفرق بين واسأل القرية، واسأل أهل القرية:

ولو قائل من الناس للمنكِر: اسأل أهل القرية، لاحتمَل دخول التخصيص بالاكتفاء بسؤال بعضهم، وضيع البلاغة في التوكيد، في قوله (اسأل أهل القرية)، وهذا لا يراعي حال المنكر والشاك، فحال المنكر يقتضي المبالغة والاتساع في السؤال إلى حد سؤال كل ما في القرية على نحوٍ لا يحتمل التخصيص فكان الحذف في غاية البلاغة، وهذا مختلف عن الحذف النحوي تماما.

4-خطورة الخلط بين الحذف النحوي والبلاغي:

 ومَن جعل الحذف البلاغي كالحذف النحوي، فقد ضيَّع سِرّ إعجاز القرآن الكريم في جمال معنى التوكيد والمبالغة للمنكِر، والخلطُ بين الصناعتين يَجْعَل المنكِر كغيره وهو فساد في المعنى، وتضييع للعلوم الأصلية التي قامت عليها الشريعة لعدم  تمييز مقاصد المتكلمين في النحو والبلاغة، وهذا خطير على اللغة والشرع القائمين على ثنائية الوضع والاستعمال.  

5-ضرورة إحياء علوم اللغة في مواجهة التجهيل الإجباري:

يجب الاهتمام الدقيق بعلم النحو والبلاغة بوصفهما عِلمَين أساسين في فهم النص الشرعي، وليس الاقتصار على كتب التدريس الأولى التي تكتفي بالمباديء الأساسية، بل يجب البلوغ بالنحو إلى مستوى مغني اللبيب والتسهيل، وبالبلاغة إلى تلخيص المفتاح في البلاغة وشروحه وحواشيه لحماية النص الشرعي من حالة التجهيل الإجباري بعلوم الشريعة، ودعاية السذاجة في النص وتسطيح الفكر الديني التي تقوم على إلغاء ثنائية المجتهد والمقلد، والوضع والاستعمال، والدخول في التنحيت الذي يثق المقلد فيه بنفسه ويتحول إلى مجتهد مزيَّف.

6-إلغاء البلاغة وإلحاقها بالنحو وتفكيك دلائل الإعجاز:

إن القرآن الكريم لا يتفاضل باعتبار الوضع النحوي، كرفع الفاعل والمبتدأ والخبر، وشروط تقدم المبتدأ على الخبر والعكس، وغير ذلك من قواعد نحوية، إن البلاغة القرآنية معجزة هي أنها جاءت بتفوق المعاني وبلوغها مقتضى حال السامع مع أنها مستمرة على الوضع النحوي للغتهم، فلو انخرمت أصول النحو وفروعه لما عُدَّ الكلام بليغا أصلا، لأن الكلام عندئذ كأثاث فاخر في بيت آيِلٌ للسقوط.

7-الخلاصة:

1-الحذف النحوي معنى بصحة التركيب للجملة مع الحذف لمعرفة السامع بالمحذوف، مثل كيف خالد، الجواب: مريض.

2- أما الحذف البلاغي فهو يراعي حال السامع منكرا أو مقرا، ويختار من التراكيب النحوية ما يوافق مقتضى الحال.  

3-إلغاء الفرق بين الحذف النحوي والبلاغي هدم لعلوم لغوية أصيلة خادمة للكتاب والسنة

4-ضرورة العناية بالدراسات النحوي والبلاغية العليا في مصادرها العليا المعتمدة، لمكافحة الفلسفات اللغوية المعاصرة التي تؤسس للإلحاد في فهم النص الشرعي.

5-خطورة التجهيل الإجباري بالعلوم اللغوية الخادمة للشريعة

6-خطورة صناعة الشقاق المصطنع بين العلوم اللغوية بين النحو والبلاغة كما صُنعت من قبل بين الصناعة الحديثية والأصولية الفقهية.

الكسر في الأصول لا ينجبر

الطريق إلى السنة إجباري

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان الرباط

5  -محرم-1444

  6-8-2022

1 thought on “قاعدة الفرق بين الحذف النحوي والبلاغي قال تعالى( واسأل القرية)

  1. أغسطس 9, 2022 - MUNA YASER

    اللهم علمنا ما ينفعنا
    معلومة جميلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top