كيف يسجُد الطبيب  في  عهد الكورونا

تمهيد:

1- أما بعد:

 فقد سألني جماعة ممن لا تسعني مخالفتهم أن أكتب رسالة إلى الطبيب في هذا الوقت العصيب، فسِرت نحو قلمي ظانا أن الأمر سهل كالمعتاد، فوجدت القلم عَصِيا، فكرَرْت عليه مرة بعد مرة، فتعجبت منه بعد أن كان أطوع في يدي من الماء بيد المتوضيء، وإذا به كأنْ لم تكن بيني وبينه مودة، ولكنه نطق بلسان الحال لا بلسان المقال، وهكذا تكلم.

2: وهكذا تكلّم القلم:

أ-أجابني القلم: لعلك تحسِب أن كتابتك للطبيب في هذا الوقت مثلَ كتاباتك الفقهية المعتادة،  في الفقه والأصول واللغة، إننا اليوم في قول مختلف، فكيف تتحدث مع مَن أضحى مسجدُه المختبر، وموضعُ سجوده المجهر، ومحرابُه الكون الواسع.

ب-لعلك تريد أن تكتب للطبيب، أن للمصيب أجْرَين وللمخطيء أجرا واحدا، كما هو في الاجتهاد الفقهي عندك، أما الطبيب فليس كذلك،  فإما أن يصيب وإما المصيبة، وإما الحياة وإما الموت، أما أنتم فصلاتكم تصلحونها بسجود السهو، أوتقضونها إن فاتت، فكيف بالحياة بين يدي الطبيب، فلا سجود سهو ولا قضاء، فإما الحياة وإما الفناء، وإما النصر وإما القبر.

ج-لعلك كنتَ تَبكي في محرابك وتُبكي بصوتك الجميل مَن وراءك من الأطباء وغيرَهم من المصلين، أما اليوم فمحرابك فارغ، ومسجدك مغلق، ومواضع  السجود فيه خالية. وأصبحَت صلاتكم  كصلاة العبيد والصبيان في البيوت، بلا جمعة ولاجماعة، تنتظرون الطبيب أن يفرَغ من سجوده في المختبر،  ليقول لكم افتحوا المسجد، فقد أذن الله لكم بالدواء الشافي بعد الوباء الجافي، ورددتُ لكم  حريتكم المسلوبة، بعد أن تساويتم مع العبيد والصبيان في الجمعة والجماعة في البيوت.

د-فقلتُ له: بم أجيب القوم؟ وإن لم أكتب أنا، فاكتب أنت، واجْرِ بما أجراك الله، واكتب ما شاء الله لك أن تكتب، فقال: أما الآن فنعم، ثم أما بعد:

أولا: لا عدوى ولا طِيـَرة (في القلْب):

اعلم أيها الطبيب النبيل أن هذا الحديث الشريف لقلبك، وأراد الله أن ينزع به كل خوف من المخلوقات جميعا، فقلبك حر، فعندما تدخل مختبرك تدخل بشجاعة ورباطة جأش أن الفيروس لا يخلق مرضا ولا شفاء، وما هو بضارك إلا بإذن الله تعالى، وانظر إليه كنمر من ورق، وأنه قلم بيد القدر الإلهي ، فلا حول له ولا قوة له إلا بالله، فكن مع الله وجرِّد قلبك إليه، وأن هذا الفيروس قد خلت من قبله الفيروسات فأمكَن الله منها، ولولا ذلك لفَنِيَت البشرية، ولكن الله أجَل الجميع ليوم  تخشع فيه الأصوات للرحمن، فلا تسمع إلا همسا.

ثانيا: فِرّ من المجذوم (على القالَب):

أما الحديث الشريف:(فر من المجذوم فرارك من الأسد)  فهو لجوارحك، أي هذا الحديث على القالَب لا على القلب، فعليك بكل وسائل الوقاية التي تعلمُها، ولا تدخر منها شيئا، وهذا الحديث يعني أنه يجب أن تحصل على أسباب النجاة الطبيعية في المختبر، وأنت ترفع أكُفّ الضراعة إلى الله، لأنه خالق الشفاء مع الأسباب لا مستعينا -سبحانه- بالأسباب، وتكون عندئذ من أصحاب العِبادتَيْن: القلب، والقالَب، فهنيئا لك بالإيمان، والإنجاز العلمي الطبي معا، فقد جمعتَ الطب والإيمان، وهذا تحدٍّ حضاري نفاخر به، وهذا الجمع بين الطب والإيمان هو العَلَم الفارق بيننا وبين المادية الدنيوية، فنحن نشترك معهم في العمل بالقانون الطبيعي ونزيد بالإيمان، فلك الحسنى وزيادة، فأنت مع القانون وزادك الله طمأنينة الإيمان.

ثالثا: لا يغُرَّنك المرجفون في الـحَجْر الصحي:

أنت اليوم  في معركة بلا ساحة، تجرأ فيها الجاهل على أمرك، فكان كصبي يلهو بأسودَ سالخٍ (أقتل أنواع الحيات)  له زبيبتان، ناعم الملمس، قابع في الظلام الحالك، ولا يعرفه الضحايا إلا بعد أن يعضهم بأنيابه السامة، وأما أنت فتراه في موضع سجودك في المجهر، وعينك في عينه، وتوشك يدك الكريمة أن تُطبِق على فكَّيه، وتنزع أنيابه السامة، ثم تبشرنا بعودة الجمعة والجماعة وإلى موضع سجودنا الذي لا نرى فيه ما رأيت في موضع سجودك في المختبر، ولكن كل قد علم صلاته وتسبيحه، وكلا وعد الله الحسنى.

رابعا: لا تُخفِ في نفسك ما الله مُبديه:

مهما حاولت أن تبشرنا، وتخفي خوفك علينا، وأنت تكظِم غيظك من سوء فِعالنا، لأننا لا نلتزم بتعليماتك في الحجر الصحي، فقَسَمات وجهك وما علاك من الهم والنَّصَّب، شهود عدول على أنك مرهَق، قد بلغ منك الـجَهْد منتهاه،  ولكننا نقول:  اللهم اجْزِ الطبيب وإخوانه عنا خير الجزاء، فنحن فقراء لا نملك المكافأة، ومَن أُحِيل على غَنِي فَلْيحْتَل، وقد أحَلْناك على الله، إنه هو الغني الحميد.

ملاحظة: هذه الرسالة للطبيب  والممرض والصيدلاني رجالا ونساء.

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا ينجبر

أ.د وليد مصطفى شاويش

الجمعة المباركة في عمَان المحروسة

3-شعبان-1441

27-3-2020

PlayPlay

5 thoughts on “كيف يسجُد الطبيب  في  عهد الكورونا

  1. مارس 27, 2020 - غير معروف

    بارك الله فيك دكتورنا الغالي جزاك الله كل خير

  2. مارس 28, 2020 - غير معروف

    ابدعت التصوير …حتى وكأننا نشاهد الامر عيانا.وبينت ان الأخذ بالأسباب واجب والاتكال عليها شرك…
    فصبرا جميلا…لعل الله يحدث بعد ذلك امرا.

  3. أبريل 13, 2020 - Khalida N asr

    بارك الله بك علما و دينا و إيمانا و نفع الله بك

  4. نوفمبر 4, 2020 - غير معروف

    دكتورنا الفاضل الغالي
    شفاك الله وعقلك وبارك بعمرك وصحتك.

  5. نوفمبر 4, 2020 - Hala

    إبداع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top