لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان…عمليات ربط المعدة لتخسيس الوزن وبيع التراب فقه التمدُّن الإسلامي … وبناء الحياة

1-حرمت الشريعة تغيير الخِلقة التي خلق الله الناس عليها بداعي الزينة، كإزالة الحاجبين، وتغيير الجنس، وما إلى ذلك من تغيير الخِلقة الإلهية، وجاز  من التجميل ما فيه إظهار للخِلقة التي خلق الله الناس عليها،  كتقويم الأسنان المعوجة، وقطع الإصبع الزائد بعملية جراحية، وهذا يعني أن الحكم الشرعي متفق عليه، فما كان تغييرا للخلقة فهو حرام، وما كان لإظهارها وعلاج الإنسان في تطبب أذن الشرع فيه، ولكن….

2- هل عمليات ربط المعدة لتخسيس الوزن تعتبر من الزينة؟ إذا اعتبرنا أن  السمنة ليست مرضا، وهي مؤثرة في الزينة فقط، وهي أمر تكميلي وليست علاجا لمرض، فعندئذ لا تجوز عمليات ربط المعدة لما فيه من الجرح والقطع الحرام في الجسد لأمر يعد من الزينة وليس من العلاج.

 3- ولكن ماذا بعد أن أثبت الطب أن السمنة في بعض حالاتها هي مرض، لما تؤدي إليه من أمراض القلب والسكري وتصلب الشرايين، وماذا لو أشار الطبيب المختص الثقة بأن ربط المعدة متعين لعلاج السمنة؟ فعندئذ يصبح ربط المعدة علاجا لمرض، ولم يعد من الزينة الكمالية، وهنا تغير الحكم الشرعي لتطور الخبرة الطبية، مع بقاء الحكم الأصلي وهو حرمة تغيير الخِلقة لغايات الزينة،  وأن الحكم باق لم يتغير، ولكن تغير محل الحكم بسبب التطور الطبي واكتشافاته العلمية، ومن ثَم بقي الحكم الأصلي على ما هو عليه، وإنما تناول حكم آخر الواقع الجديد ، وهو جواز الجراحة لأجل العلاج من المرض، وجواز ارتكاب المفسدة الدنيا بقطع العضو لدفع المفسدة الأعلى للحفاظ على صحة كل الجسد، يعني لا يوجد هناك اضطراب في الحكم الشرعي نفسه، فالحكم ثابت، ولكن تغير محل الحكم بسبب التطور الطبي، واقتضى نزول حكم جواز الجراحة لعلاج مرض السمنة بدلا من حكم تحريم تغيير الخلقة التي خلق الله الناس عليها لغايات الزينة التكميلية.

4-وهذا مثال عملي على قدرة الشريعة على مراعاة أحوال الناس وظروفهم، واستيعاب المستجدات في الحياة، وأنه لا يجوز تنزيل حكم على حالة كانت في تاريخ سابق، دون مراعاة تغير تلك الحالة إلى حالة أخرى في وقتنا الحاضر، فلم يُجِز العلماء بيع التراب سابقا، لأنه لم تكن له قيمة مالية في عرفهم، وعليه؛ ويكون المشتري دفع مالا بلا مقابل هو أكلٌ لأموال الناس بالباطل، أما اليوم فقد تطورت وسائل نقل التراب وأصبحت له قيمة مالية عرفا، وسَحْب الحكم الشرعي السابق بعدم مالية التراب، على حالتنا اليوم، هو تحويل التاريخ إلى دين، وهو لا يجوز شرعا، وهذا أمر نص عليه الأصوليون في الاجتهاد بتحقيق مناط الحكم، وما مر توضيحه من مثال ربط المعدة وبيع التراب هو مثال على تحقيق المناط، وهو تنزيل الحكم على محله في الواقع.

5-أما الأحكام الأصلية، كالحدود المقدَّرة شرعا في العقوبات، وتحريم الربا والقمار والغرر في الأموال، فهذه ثابتة لا تتغير أبدا، ولا بد من الحذر من محاولة الخلط بين الحكم الأصلي الثابت، وتـغـيُّر محل الحكم كما هو في عمليات ربط المعدة، أو الحكم الذي بني على عرف أو مصلحة، ثم تغير ذلك العرف وانقضت تلك المصلحة، فهذه هي التي يقول فيها الفقهاء: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، ولا يجوز سحب حالة لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان على الأحكام الشرعية الأصلية التي مثلت لها سابقا، لأن معنى ذلك هو إلغاء الشريعة وهدمها، بمقولة لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.

نعمل من أجل ثقافة أنظف

walidshawish.com

12-6-2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top