مداخلتي في جلسة المناقشة التي أقامتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية

باديء ذي بَدء أتوجه بالشكر إلى عطوفة د. حامد ميرة على دعوته الكريمة لحضور جلسة الاستماع والمناقشة للمعيارين: 55: الخاص بالمسابقات والجوائز، والمعيار 56 الخاص بضمان مدير الاستثمار في الجلسة المنعقدة في رحاب كلية الشريعة في الجامعة الأردنية وذلك يوم الخميس الموافق: 4-2-2016، ولا يفوتني هنا أن أشكر المتداخلين على مداخلاتهم الثرية والمفيدة، وقد رأيت أن أسجل بعض مداخلاتي المتواضعة في تلك الجلسة بخصوص المعيار 56، بالإضافة إلى ما يمكن إضافته من مداخلات لا يتسع وقت المناقشة لها، ورغبة مني في سماع آراء المتخصصين في هذا الشأن، ويمكن تلخيص تلك المداخلات على النحو الآتي:

أولا: في الفقرة 5/2 أشار النص إلى نقل عبء إثبات الخسارة بسبب التعدي والتقصير من المدعي وهو المستثمر  إلى مدير الاستثمار، بشرط وجود قرائن تخالف أصل دعواه (وتم توضيح أن الضمير يعود على مدير الاستثمار)، ويمكن مناقشة نقل عبء الإثبات من المستثمر إلى مدير الاستثمار على النحو الآتي:

1-بما أن المدعى عليه هو من له أصل شرعي يستند إليه، وهو هنا مدير الاستثمار، وأن والأصل براءة الذمة  حتى يثبت العكس، فكيف تنقل البينة إلى المدعى عليه؟! وهو الوكيل بالاستثمار ، وعليه أن يقيم البينة على عدم التقصير أو التعدي، حتى يثبت العكس، استنادا إلى قيام القرائن على التقصير التي لم تفسر أو تحدد وبقيت مجملة، مع العلم أن هذه القرائن لو ارتقت إلى قيمة البينة القضائية شرعا، فلا حاجة عندئذ إلى هذا الشرط وهو نقل عبء الإثبات للمدعى عليه، لأن الأمر يكون من تحصيل الحاصل، لأن المدعي وهو رب المال يملك البينة على تقصير العامل وهو الوكيل بالاستثمار.

2-بناء على ما سبق من نقل عبء الإثبات إلى الوكيل بالاستثمار، تكون هذه الفقرة قد انتهكت اثنين من ضوابط الاجتهاد المعتبر، وهو النص الشرعي، والقاعدة المتفرعة عن النص الشرعي وهي من القواعد التي توافق النص تماما، لأن نص جرى مجرى القاعدة، وإن كان الحديث متكلما في سنده إلا أن القاعدة مجمع عليها، وهي: (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر).

3-إذا كُلف المدعى عليه وهو الوكيل بالاستثمار بالبينة على عدم التقصير، فهذا يعني أنه مطالب بإثبات العدم، فكيف يقيم دليلا على العدم؟!

ثانيا: ذكر أحد المتداخلين المكرّمين ضرورة ضمان رأس مال الصكوك السيادية، وهذا يتنافى مع القاعدة الفقهية: الخراج بالضمان، والقاعدة الفقهية: من له النماء فعليه الــــــتَّواء (الهلاك، وأصلها من التِّيه)، وعليه يكون تضمين العامل (الوكيل بالاستثمار) ليس صريحا في المعيار 56 في الفقرة المذكورة، ولكنه يقترب من تحويل الضمان من رب المال إلى العامل (الوكيل بالاستثمار)، ويُـخشى أن تكون هذه خطوة أولية تقترب من اختراق القاعدة الفقهية التي هي إحدى ضوابط الاجتهاد، وتعد مخالفتها شذوذا في الفتوى يحرم العمل بها والقضاء والإفتاء.

ثالثا: لا شك أن هناك تنوعا معتبرا في الاجتهاد الفقهي يمكن أن يثري فقه المعاملات، ولكن لا بد من تحديد نوع الاختلاف في الاجتهاد، هل هو سائغ، فلا يجوز فيه الإنكار، لأن الجميع في رحمة الله، أم أن الخلاف شاذ يجب فيه الإنكار، لمخالفته الضوابط الشرعية للاجتهاد المعتبر، وهذه الضوابط ستحمينا من الإنكار في غير محله، كما أنها ستحمينا من الانزلاق وراء الشذوذ الفقهي، الذي يصطدم مع النص كفاحا بلا معارض راجح، فيكفي أن ينجو المعيار من خدش أحد ضوابط الاجتهاد الأربعة، وهي: النص، والإجماع، والقياس الجلي، والقاعدة الفقهية، ولا يحق لأحد شرعا أن ينكر على مفردات المعيار الشرعي، إلا إذا انتهكت إحدى هذه الضوابط الأربعة، وهذه الحاكمية الشرعية للفتوى والاجتهاد في سواء في الأموال، أم العبادات، أم حقوق العائلة، وغيرها من حقول البحث الفقهي، وهذا يظهر مدى انضباط الفقه الإسلامي، وخلوه من الذاتية والشخصية، وتميزه بالموضوعية العلمية البحثية.

رابعا: أرى أن الفقرة 5/2/1 تمثل قيمة جوهرية في تحقيق مناط التعدي والتقصير، كاعتبار عدم القيام بدارسة الجدوى تقصيرا من مدير الاستثمار، ويعتبر التوافق على بنودها قاطعا لدابر النزاع في حال حدوث خصومة، وفي حال ربط ذلك تحت تحقيق المناط، الذي يشترك فيه العامة والمجتهدون، فهذا يعني أننا نربط الفروع بالأصول، وهو أمر مهم في تنظيم الفكر الاقتصادي وربطه بأصوله الشرعية، ويتضح بذلك أن للمعايير الشرعية كفاءة عالية في إظهار الفقه الإسلامي في ثوب جديد، يناسب لسان القوم، مع المحافظة على الفقه الإسلامي بضوابطه الشرعية، مع ضرورة المحافظة على باب النقد العملي الهادف، والتحرير الفقهي الأصولي، للمحافظة على حيوية هذه المعايير وصدقيتها الشرعية.

خامسا:يطيب لي أن أشكر الأخ الدكتور حامد ميرة على حسن إدارته للحوار العلمي الهاديء، كما أشكر أستاذي فضيلة أ.د محمود السرطاوي على توجيهاته الفقهية التي أثرت الحوار وأغنته علميا.

ملاحظة: للاطلاع على ضوابط الاجتهاد الشرعية يرجى  يرجى مراجعة بحث :أثر ضوابط الاجتهاد والخبرة في تأسيس حوكمة إسلامية

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة

7-3-2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top