يا رسول الله اشفع لي نظرة في الفقه والأصلين (أصول الفقه وأصول الدين)

أولا: تمهيد: في تعدد مجالات البحث في المسألة:

نبحث الأمر من ناحية أصول الدين ومن ناحية الفقه.

1-في أصول الدين

أما في أصول الدين: فمن قال يا رسول الله اشفع لي سواء كان النبي صلى الله عليه وسلم  حيا أو ميتا حاضرا أو غائبا معتقدا أن للنبي صلى الله عليه وسلم  مُلكا وتدبيرا مع الله في شيء كالرزق، وله قدرة مؤثرة مع قدرة الله، فهذا هو الشرك المنافي للتوحيد، ولا فرق في هذا الاعتقاد بين كون النبي صلى الله عليه وسلم  حيا أو مييا، حاضرا أو غائبا فالشرك هو اعتقاد الشريك في القدرة والإرادة وخصائص صفات الكمال لله تعالى في مخلوق من المخلوقات لا فرق بين كون المخلوق حيا أو ميتا، فجميع المخلوقات ليست شريكة لله تعالى في صفة من صفاته.

2- في الفقه:

 وأما  البحث في الفقه: فإذا قال يا رسول الله اشفع لي أو ارزقني معتقدا أن النبي صلى الله عليه وسلم  مفتقر إلى ربه لا قدرة للنبي صلى الله عليه وسلم  حيا ولا ميتا مع الله، ولا حاضرا ولا غائبا، وليس شريكا مع الله في القدرة والإرادة، بل يدعوه بمَحض فضل الله تعالى عليه لمكانة النبيين  والصالحين والشهداء  فهذه المسألة من الفروع في الدين ومجالها الفقه ولا علاقة لها بالشرك والكفر، والخلاف فيها خلاف اجتهاد وفتوى وليس أصول دين.

ثانيا: خطورة تقليد المعتزلة:

أ-أصول المعتزلة في الأسماء في أصول الدين باقية على الوضع اللغوي:

وإن عدم التفريق بين المسألتين: في أصول الدين وفي فروع الدين، مستمر على مذهب المعتزلة في معنى توحيد العبادة في تكفيرهم أهل السنة بالأداء والفعل المحتمل لا بالاعتقاد، بناء على أن توحيد العبادة عند المعتزلة يشمل الأداء في فروع الدين، وسبب انحرافهم التحجُّر على المعنى اللغوي للعبادة، وهو الانقياد في الأداء، وإلغاء المعنى الشرعي الذي هو قصد التقرب مع اعتقاد ألوهية المعبود، وأن الكفر عند أهل السنة هو جحود معلوم من الدين بالضرورة.

ب-العباد يخلقون أفعالهم عند المعتزلة:

إن العباد لهم قدرة على الإيجاد في أفعالهم الاختيارية وهذه القدرة تختلف عن قدرة الله تعالى بالكيف ولكنها شريكة لقدرة الله في الحقيقة، وتكون هذه القدرة الشريكة لقدرة الله في الحقيقة مفوَّضة بالخلق، ويكون الله خالقا بوسائط من المخلوقات، وبناء على قدرة العباد على الخلق والإيجاد، وعلى أصل المعتزلة هذا ظهر التوحيد المؤقت، بسبب التفريق بين جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم  حيا، وهو شرك  بعد موته، حيث يكون الموت ناسخا لما كان توحيدا أثناء حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

ثالثا: تكفير أهل السنة بأصول المعتزلة:

إن النصوص التي كفر بها الخوارج والمعتزلة بالأداء دون الجحود هي نصوص صحيحة من الكتاب والسنة، والإشكال ليس في صحة السند بل في تفسير النصوص الصحيحة على أصول المعتزلة، فعلى أصل المعتزلة معنى العبادة باقٍ على اللغوي، وهو: الانقياد في الأداء، والعبادة  هي الإسلام والإسلام هو الإيمان، ومن لم يعبد بالأداء فليس مسلما، لأن الأسماء في أصول الدين عند المعتزلة باقية على المعنى اللغوي كالعبادة في الانقياد والتذلل، وعليه فإن من دعا رسول الله بعد موته فقد عبده، وإن لم يعتقد بألوهية الرسول أو الصالحين، جريا على المعنى اللغوي للعبادة.

رابعا: فرق مهم في التأصيل:

عندما أقول إن هذا الفرع مستمر على أصول المعتزلة في اعتقادهم بخلق أفعال العباد فليس بالضرروة أن المعتزلة يقولون بالتوحيد المؤقت يفرقون بين النبي صلى الله عليه وسلم  في حياته وموته في مسائل الاعتقاد، إنما أريد أن أشير إلى أن من اعتقد بأن العباد يخلقون أفعالهم وفرع التوحيد المؤقت عليه كيا رسول الله اشفع لي توحيد أثناء حياته صلى الله عليه وسلم  وشرك مخرج من الملة بعد وفاته.

خامسا: أصول المعتزلة يؤخذ منها ويرد:

لا يعني التأثر بالاعتزال أن مكفري أهل السنة والجماعة بالذنوب بمجرد ترك الصلاة قبل استتابة الإمام، أو التكفير بقول: (يا رسول الله اشفع لي) أنهم معتزلة من كل وجه، بل نحن أمام متحوِّرات فكرية أخذت من كل طائفة، تنتهي جميعا إلى التحجُّر على الأوضاع اللغوية، وإقصاء المعاني الشرعية، ونبذ المدرسة الفقهية السنية في مذاهبها الأربعة، التي تكبح جماح الاختراق الطائفي لأهل السنة والجماعة، لذلك يذهب أصحاب المتحوِّرات الطائفية إلى النصوص المتشابهة المحتملة لتأسيس أفكار الدينية مرتبكة هي الرَّبَّة التي ولدَتها الأمة، حقا ولدت الأمة ربتها.

سادسا: مشكلة المتحوِّرات الدينية المعاصرة:

إن المتحورات الفكر الدينية المعاصرة لا ترتكز إلى مذهب من المذاهب المتبوعة العقدية أو الفقهية، بل هي حالة طرقية تتناقض فيما بينها عند خط النهاية، وهذا التناقض هو سبب زوالها، ولكنها تحاول أن تبقى ضمن تأويلات جديدة تحاول أن تجمع بين العهد القديم والجديد.

الكسر في الأصول لا ينجبر

الطريق إلى السنة إجباري

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان الرباط

12  -صفر-1444

9-9-2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top