ذكرتُ سابقا أن السنة النبوية قد بينت علامات الساعة في عهد الرسالة بالكناية، وبالحقيقة في زماننا، فيفهم العربي في باديته الكناية، ويفهم المسلم بين يدي الساعة وتقلباتها الحادة العلامة على وجه الحقيقة، والتبايع بالعينة جاء من باب الكناية عن كل البيوع الفاسدة، والعِينة من النقد الذي هو العَين، ونبه بذلك على كل البيوع الفاسدة، فهذا يعني أن في اختصاص العينة بالذكر أمرا خاصا يجعلها أولى بالتنبيه عليها من غيرها البيوع الفاسدة، فما هو ذلك الوجه الذي من أجله ذكرت العينة على وجه الخصوص؟
2-العِينة ربا معنى وبيع لفظا:
مثال العينة أن تقول للبائع أقرضني ألفا وأعيدها لك ألفا ومائتين بالتقسيط لأشتري سيارة زيد نقدا بألف، فيقول البائع هذا ربا محرم، ولكن أشتري لك سيارة سعيد بألف نقدا، وأبيعك إياها بالتقسيط بألف ومائتين إلى أجل، فإذا نظرنا للمعنى في كلام البائع وجدناه أقرض المشتري ألفا إلى أجل بزيادة مائتين، وإذا نظرنا إلى الألفاظ فهو وعد بالشراء نقدا مع دين إلى أجل بزيادة مائتين.
3-انقلاب الاقتصاد السلعي إلى نقدي:
وهذا يعني اشتباه الشريعة المبدلة بالشريعة المنزلة، وفك ارتباط الألفاظ عن معانيها، فاللفظ بيع واما المعنى فهو ربا، يتحول فيه الاقتصاد من سلعي إنتاجي إلى اقتصاد تصخمي نقدي أساسه العينة بالعينة وهي النقد بالنقد، الذي يولِّد التضخم وهو ظلم عام في ارتفاع الأسعار، يسرق قيمة النقود ولو كانت في خزائن مغلقة.
4-السلعة حيلة للربا:
لذلك كان حديث (إذا تبايعتم بالعِينة) في بيان علامات الساعة في تَفشِّي الاقتصاد النقدي التضخمي، ففَهِم الصحابي بيع العينة بالكناية، والمسلم بين يدي الساعة يراها على عين الحقيقة في التوصل بالسلعة للحصول على النقد، مع أن الشرع هو التوصُّل بالنقد إلى السلعة، وهذا هو انقلاب السنن الاقتصادية بين يدي الساعة، حيث تُستعمَل الروايات المنقطعة والأقوال المهجورة مُلَيَّنات لقسوة الربا التضخمي، ومُطَرِيَّات لتزيين انقلابات التديُّن وتغبير وجوه العامة في حِيل أصحاب السبت، التي هي شهوة كاسرة في حب المال، مع طبقة رقيقة من عاطفة التدين المزيف، ظاهرها التنسُّك وباطنها التهتُّك.
5-اتساع الكناية للحقيقة أيضا:
وهذا التعبير بالكناية في التبايع بالعينة عن البيوع الفاسدة واشتباه الربا بالبيع بين يدي الساعة، يبين اتساع العربية في استيعاب مراد الوحي في التعبير عن علامات الساعة يُفهم في عصر النبوة بالكناية، وبين يدي الساعة على الحقيقة، وهذه علامة من علامات جوامع الكلم، والعلم اللدني للنبوة، وأنه يوحى إليه بالسُّنة من لَدُن حكيم خبير، وأن في ذلك البيان استمرار المحجة البيضاء على الناس، (وما كان ربك نَسِيَّا).