الشذوذ المُركَّب في قياس غسل القدمين على مسح الرأس إذا نزع خفيه بعد المسح عليهما… ما هكذا يا سعد تورد الإبل

أولا: تمهيد:

كتبت مقالتين في الشذوذ في الفتيا، وبينت أهمية مدارس فقه السلف في ضبط المعرفة الشرعية، وقد بينت أن مدارس فقه السلف الأربع اتفقت على أن مَن نزع خفيه بعد الاستفادة من رخصة المسح عليهما، إما أن يغسل قدميه أو يبدأ وضوءا جديدا، وإلا كانت صلاته بلا وضوء، وبينت عاقبة تتبع المتشابه في الرواية، وهجر المحكمات في الشريعة، ومنهج فقهاء السلف في حمل المتشابه على المحكم، وكيفية بناء الحكم الشرعي، ولكن بقي الحديث عن قياس من نزع خفيه على من غسل وجهه ومسح رأسه، طلب بعض الإخوة الإجابة التوضيح حوله كما أجبت على فعل علي رضي الله عنه في المسح.

ثانيا: ما هكذا يكون القياس:

قالوا: لا يجب غسل القدمين بعد الاستفادة من رخصة المسح على الخفين، فكما أنه لا يجب عليه إعادة مسح رأسه في الوضوء، ولا يجب عليه إعادة غسل وجهه أيضا، فإنه كذلك لا يجب عليه أن يغسل قدميه، قياس على حلق اللحية في ومسح الرأس في الوضوء، وبمثل هذه الأقوال رُدَّت أفهام السلف وعلى رأسهم المدارس الفقهية الأربع، التي أوجبت غسل القدمين عند الجمهور أو استئناف الوضوء عند السادة الحنابلة.

ثالثا: هل هذا قياس صحيح أم فاسد؟

1-قياس الرخصة على العزيمة من عجائب القياس الفاسد!

من المتفق عليه أن المسح على الخفين رخصة، وأن العزيمة هي غسل القدمين، والرخَص هي استثناء من العزائم، فكيف يمكن أن تقاس الرخصة في مسح الخفين، على العزيمة وهي مسح الرأس وغسل الوجه، وهما من العزائم، وثبت أن رخصة المسح على الخفين على خلاف الأصل، فما ثبت على خلاف القياس فعليه لا يقاس، لأن الرخصة على خلاف سنن الأحكام الأصلية بوصفها حكما استثنائيا، وأنه قاصرة على محلها، والتوسع فيها يعني إلغاء أحكام العزائم، بل هذا مثال جيد على الشذوذ في القياس، ويصلح أن يكون مثالا حيويا على الأقيسة الفاسدة، لمخالفته سنة القياس في الشريعة.

2-قياس الشبه ضعيف في محله فكيف في رد مدلول النص:

بالرغم من أن المفتين بعدم الغسل للقدمين بعد رخصة المسح إذا نزع خفيه، قد خالفوا مدلول النص الذي أخذ به أئمة السلف المجتهدون، وهو إما الغسل أو المسح، وأن من نزع خفه لم يعد ماسحا، فتعين في حقه الغسل عند الجمهور، أو إعادة الوضوء عند الإمام أحمد، إلا أنهم ردوا مدلول النص بقياس الشَّبَه الضعيف، على فرض أنه  كان فيما يصح فيه القياس، فكيف بقياس الشبه الضعيف فيما ليس محلا للقياس أصلا، وهو الرخصة والطهارة، مع أن مورد القياس في الطهارة ضعيف أصلا على وفق القياس، فكيف بقياس الرخصة على العزيمة وفي العبادات أيضا، وهذا مثال على الشذوذ المركب في الفتيا.

رابعا: سِمات الشذوذات المركبة في الفُتيا:

بناء على ما سبق يظهر أن من قالوا بعدم الغسل أو الوضوء، قد صدر منهم ما يأتي:  

1-خالفوا مدلول النص الشرعي الآمر بالغسل أصلا وبالمسح بدلا.

2-ارتكبوا قياسا شاذا فاسدا بقياس الرخصة على العزيمة.

3-قاموا بقياس شَبَه وهو من أضعف الأقيسة لعدم وجود علة جامعة، وهو ضعيف في محله أصلا، فكيف يكون في غير محله وهو قياس الرخصة على العزيمة.

4-هجروا فهم السلف وعلى رأسهم المدراس الفقهية المتبوعة، ولم يأتوا إلا بالشذوذ المركّب، وهو تركيب قياس الشبه الضعيف أصلا، على الرخصة المستثناة من العزيمة على العزيمة والأحكام الأصلية، مع قيام الدليل على وجوب الغسل أو المسح.

5-كان من الأفضل لمن يفتي بهذه الفتيا المركبة من الشذوذ على الشذوذ، أن يحتاط لصلاة المسلمين، التي هي صلة بيننا وبين الله، خصوصا في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها أمتنا، ونحن في أمَسّ الحاجة لإجابة الدعاء، فكيف تصح الصلاة والدعاء فيها، إذا كانت باطلة على قول جماهير السلف والمدارس الفقهية المتبوعة، لمجرد فتاوى فردية لم تحظَ بالتحقيق والدليل بما حظيت به مدارس فقه السلف الأربع، وهذه الفتيا من مظاهر التحلل في الصلاة، وعدم إعطائها حقها من الطهارة وحسن الأداء.

6-وبناء على ما سبق فإن فتيا عدم غسل القدمين بعد نزع الخفين إذا مسح عليهما، فتوى شاذة مصادمة لمدلول النص الشرعي بلا معارض راجح، وقياس شاذ في غير محله، ويحرم الفتوى بها والعمل، ولا يجوز ذكرها إلا للتحذير منها، ولا يجوز اعتبارها من الاجتهاد المأذون فيه، والمعتبر المحتمل للصواب والخطأ، وأدعو المفتين إلى هجرها، حرصا على صلاة المسلمين.

خامسا: الشذوذ في الفتوى لم يعُدْ له حَدٌّ ينتهي إليه(المسح على طلاء الأظافر نموذجا):

سألتني إحدى الأخوات الفاضلات عن حكم المسح على طلاء الأظافر، فقلت لها لا يصح الوضوء البتة، لوجود حائل سميك من الطلاء، فقالت لي إن أحد المتصدرين للفتوى يزعم أنه يجوز المسح على طلاء الأظافر قياس على المسح على الخفين! والرد على هذا الشذوذ هو نفسه الرد على قول: أن من نزع خفيه بعد المسح عليهما له أن يصلي دون أن يغسل قدميه، فالقياس الشاذ على الشذوذ هو نفسه.

المقالات السابقة وهي مقدمة ضرورية لهذه المقالة:

1-ليس حديثا في حكم غَسل القدمين إذا نزع الخفين أو الجوربين بل في أنماط التحلل

2-بين الصناعتين الحديثية والأصولية ليس الخلل في الكلي كالخلل في الجزئي (وجوب غسل الرجلين بعد نزع الخفين)

الطريق إلى السنة إجباري

د. وليد مصطفى شاويش

عمان المحروسة

14-1-2017

2 thoughts on “الشذوذ المُركَّب في قياس غسل القدمين على مسح الرأس إذا نزع خفيه بعد المسح عليهما… ما هكذا يا سعد تورد الإبل

  1. يناير 28, 2020 - غير معروف

    جزاك الله خيرا….ونفع بك الأمة.

  2. أغسطس 24, 2020 - Turaki Usman

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .أنا سعيد جداً لوجود أمثال الشيخ الدكتور مصطفى وليد شاويش. الساحة مليئة ببلطجية الفتاوى الزائفة من المتعالمين.نسأل الله تعالى أن يمد في عمر الشيخ الدكتور وأن يحفه بعنايته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top