هل يجزيء الإقراض من مال الزكاة عن الزكاة

تمهيد:

 صورة هذه المسألة أن المزكي لديه مال وجبت فيه الزكاة، ويريد أن يقرض من هذا المال للفقراء، فإذا تعثر الفقير أبرأ المزكي الفقير وأسقط عنه الدين واحتسب الدين من مال الزكاة، رغبة من المزكي في إدامة تمويل الفقراء وانتقال القرض من يد لأخرى وبحسب ما ظنه يكون مال الزكاة أكثر نفعا للفقراء لاستمرار الإقراض، وهذا تعليل بالرأي في محل النص، ولا يصح للأسباب الآتية:

1-اختلاف حقيقة القرض عن حقيقية الزكاة:

اختلاف الحقيقة الشرعية بين الزكاة والقرض، فالزكاة تملَّك للفقير بغير عوض، خلافا للقرض فيجب رد المال، وعلى فرض القول بإقراض مال الزكاة للفقير وإيجاب الرد عليه، فإما أن يصِح تمليك الفقير قرضا من مال المزكي ولا علاقة له بالزكاة، وإما أن يصح زكاة لا علاقة له بالقرض، ولا يجب على الفقير أن يرد لأنه مالك له، وليس في الشريعة مال بلا مالك ، وفرض الرد في القرض على الفقير يعني أن المال صار سائبة لا مالك له.

2-ركن نية التعبد في الزكاة:

انعقد الإجماع على أن نية التعبد ركن في الزكاة، والقرض ركنه الإيجاب والقبول ويصح القرض دون نية التعبد بخلاف الزكاة، فعلى فرض أن من وجبت عليه الزكاة أقرض من ماله لفقير فهو قرض ولا يكون زكاة لانعدام ركن النية، ولا يصح أن يسقط القرض واعتباره زكاة بأثر رجعي لاختلاف الحقيقة الشرعية لا سيما ركن النية .

3-التشديد في موضع التخفيف(القياس  فاسد الوضع):

اعتبار مال  الزكاة قرضا على الفقير يُغير الحقيقة الشرعية، ويفك ارتباط اللفظ مع معناه الشرعي فيشدَّد على الفقير في وجوب السداد، وقد خفف الله عنه، والتشديد في موضع التخفيف أو العكس من باب القياس  فاسد الوضع الذي يُعد شاذا، ولا يصح ولو كان من الإمام، بالإضافة إلى أنه تعليل بالحكمة المتوهمة في مقابل النص في التمليك بلا عوض في النص في قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء)،  والتعليل بالحكمة دليل  أدنى رتبةً  من ظاهر النص بتمليك الزكاة من غيرعو ض الوارد في الآية .

4-لا يصح القو ل الشاذ من الإمام:

إذا اعتبرنا الجمعيات الخيرية نائبة عن الإمام فإن الإمام لا يصح منه القول الشاذ، وإن كانت الجمعيات نائبة عن المزكي فلا يصح أيضا من باب أولى، وفي كلا الحالين النيابة عن الإمام أو النيابة عن المزكي فإنه لا يجوز مخالفة قصد الشارع في الزكاة وهو خلاف قصده من القرض، ولا يصح مخالفة قصد المزكي، لأن تلف مال الزكاة قبل امتلاك الفقير المستحق يكون ضمانه من المزكي، وعليه إخراج الزكاة مرة أخرى إذا تلفت بسبب الإقراض، ويعد الوكيل المقرض ضامنا لأنه مُتَعدٍّ إقراض مال الزكاة .

5-دعوى الضرورة محل نظر:

القول بأن الإقراض من مال الزكاة للضرورة لقلة مال الزكاة وكثرة الفقراء،  يعني أن الإقراض للزكاة حرام في الأصل وجاز للضرورة، وهذه الضرورة عند من يرى الجواز تحصل بسبب كثرة الفقراء وقلة مال الزكاة، وهذا يحتاج إلى البحث في حقيقة الضرورة بقدرها شرعا  وكون الإقراض من مال  الزكاة متعين في هذه الضرورة مع عدم توفر البدائل الممكنة.

6-لا ثمرة للخلاف الفقهي  في إقراض مال الزكاة:

بناء على ما سبق لا ثمرة للخلاف بين الفقهاء في كون الزكاة واجبة على الفور أو على التراخي وكون الجمعيات وكيلة أو نائبة عن الإمام، ففي جميع الأحوال لا تجزي الزكاة عن القرض ولا القرض عن الزكاة.

#الخلاصة:

إن القرض حقيقة مختلفة عن الزكاة فلا تنقلب الزكاة قرضا ولا القرض زكاة، ومن أقرض من مال الزكاة سواء كان المزكي نفسه أو وكيله  أو الجمعيات الخيرية، فتلف المال  فعل المقرض  الضمان، ولا تبرأ ذمة المزكي إلا بإخراجها بشروطها وأركانها.

ملتقى علماء الشريعة الدولي (4)

الكسر في الأصول لا ينجبر

الطريق إلى السنة إجباري

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

كوالامبور

22  -صفر-1444

19-9-2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top