المفتي يبين الشرع بقوله وفعله (الدعوة للجهاد نموذجا)

1-المفتي مبين بقوله وفعله:

إن المفتي يبين الشرع بقوله وفعله، ولا يفهم من ذلك أن الجهاد شرط في الفتوى في الجهاد، بل الشرط أن لا يأتي بالنقيض وهو  أن يتهم الذين قلدوه بأنهم خوارج بعد سيل الدماء، كما حصل في فتاوى الغموض البناء في الشام، وسبب هذا التناقض هو غموض الفتوى، فلا يجوز  أن تكون فتواه مجملة حمالة أوجه غير واضحة للناس، فإذا أمر  بالجهاد في فلسطين مطلقا، فهذه لا تُعد فتوى لأن هذا اقتضاء أصلي يعرفه العامة والخاصة، ووجوب الجهاد على هذه الطريقة لا يحتاج علما، فهو  مما يشترك فيه العلماء والعامة، ولا يضيف شيئا، والذي يتعين على المفتي أن يبين الأحكام بالتفصيل، وهو ما يعرف بتعيين المناط في الوجوه التي تعرض لها من الضروري والتكميلي، والأمر والنهي في الفقه وفي محل الحكم في الواقع.

2-بعد تعيين الحكم التفصيلي يأتي تحقيق المناط:

 ثم بعد تعيين مناطات الأحكام  يحقق المفتي مناطات هذه الأحكام التفصيلية في محل الحكم المعين للمسألة كغَزة مثلا، كأن يبين هذه فتوى الجهاد في بلد كذا، وصفة المجاهد وكفاءته في النكاية في العدو، وأن تكون هناك شوكة للمجاهدين وكفاءة قتالية ومرجعية فقهية رافعة للنزاع، بالإضافة إلى بيان ما  يعرض لحكم الوجوب مِن  عارِضِ نَهيٍ قد يكون أقوى من الأمر  بالجهاد، مثل  أن يكون المجاهد أعزلَ في مواجهة جيوش منظمة، أو ما قد يترتب على ذلك من حرب أهلية بين المسلمين يَسلَم فيها العدو  ويهلك المسلمون من أهل السنة كما حصل في الشام، وقد تكون هذه المهلَكة في مصلحة المشروع الشيعي الباطني والياهو مسيحي في الهيمنة على ديار أهل السنة، كما ثبت بالمشاهدة أن الدول السنية بالحرب الأهلية صارت في أيدي المشروع الشيعي الباطني.

3-فشل نموذج الحداثة في أصول الفتوى:

إن المفتي يُقتدَى به في قوله وفعله، ولا يجوز  أن يخالف في قوله فعله، والمعارضة والموالاة أوصاف طردية لا  تأثير لها في أحكام الشريعة، وإن من غرائب شيوخ الدين المعاصرين أنه يؤدي دور موالاة في دولة، ومعارض في دولة أخرى، فيدعو للجهاد في الدولة الأخرى، لا الدولة الموالي لها، ويفتي بالجهاد في فتوى مبهمة في الدولة التي فيها معارض، ولا يفتي للدولة التي يلعب فيها دور الموالاة، وهو ما يمكن الاصطلاح عليه بالشيخ ثنائي الحداثة، فهو مركب من من الموالاة والمعارضة، أو هو شيخ مزدوج الولاء والمعارضة.

4-عاقبة الفتاوى التي لم تستكمل شروطها:

غلَبَ على الشيوخ مزدوجي الموالاة والمعارضة أنهم يأمرون الشباب بالجهاد من استوديوهات إعلامية فاخرة، ولكن الشيوخ لا يجاهدون، ولا يُبينون حقيقة الجهاد الشرعية قولا وفعلا ليقتدي الناس بهم، كما تقتضيه وراثة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي بين الشرع قولا وفعلا، فهم يخطبون بالجهاد الخالي انتزع منه الجهاد فقط، في خطاب تعبوي مُجمَل يقتصر على الاقتضاء الأصلي وهو فرض الجهاد، دون تعيين المناط ومحله والعوارض من الأمر والنهي فيهما، فهم لا يقدمون فتوى أصلا، بل هو خطاب ديني إعلامي متشابه مشوه كثير الاحتمالات تعبوي شعبوي، وهذا جزء من الحداثة التي تقوم على فك الارتباط بين الألفاظ ومعانيها، فلم تعد الفتوى فتوى ولا الجهاد جهادا.

5-تبرؤ المفتي مِن مقلِّديه:

 حتى إذا غرر  الشيخ ثنائي الحداثة بالذين قلدوه  في فتاوى الغموض البناء، وسالت بين المسلمين الدماء، وسلمت دولة اليهود، اتهم الشيح أولئك الشباب بأنهم لم يفهموا فتاوى الغموض البناء على وجه الصواب مع أن فتواه مبهمة متشابهة غير قابلة للفهم، فإذا تحقق النصر لمقلِّديه قال المفتي ألم نكن معكم، وإن فشلت الثورة وهلك الناس تبرأ من منهم، واتهمهم بأنهم خوارج، وقال لم تفهموا أقوالنا على وجه الصواب، وهذه هي عاقبة مخالفة أصول الفتوى، فصارت سببا للفرقة والهلاك، لأنها ليست على سُنة، وإذا ضاعت السنة حلت الفُرقة.  

6-فتاوى الغموض البناء:

إن فتاوى الجهاد التي لم تستكمل شروطها وهي مجملة أي غير واضحة هي موجهة للاستهلاك الشعبي في المظاهرات، والمزايدات على الدِّين، ولا تحمل في ثناياها مضمونا علميا يمكن مناقشته، فهي كلمات يمكن أن يأتي بها أي شخص من الجمهور  ولا تحتاج علما، إنما هي استجابة لتناقضات الولاء والمعارضة في الحداثة، التي تفك ارتباط الألفاظ عن معانيها، فهي فتوى لفظا لا معنى، ولا تحمل أي حقيقة شرعية، وهي صالحة لبرنامج ما يطلبه المستمعون، وإنما يشترى بها إعجابات الجمهور ، الذي ظن بأنها فتوى مع أنها لا تصلح على أصول الإفتاء، ورأى الجمهور  مُنكَر ا من القول المتشابه أنه فتوى شرعية، واضطرب الناس باضطراب الشيخ وأقواله مع أفعاله، وهو ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، أن الناس بين يدي الساعة يرون المنكر معروفا، ثم يأمرون بالمنكر  وينهون عن المعروف، بسبب التباس الحقائق الشرعية عليهم.

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا يَنْجبِر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان الرباط

23-رمضان-1445

 3-4-2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top