عدالة الآباء أولا قبل بر الأبناء (أنت ومالك لأبيك)

أولا: النصوص الشرعية ذات العلاقة بالحديث الشريف:

إن نظر أئمة الاجتهاد في السنة يكون باستقراء الأدلة جميعها وإعمالها معا، فإذا نظر الفقيه في حديث(أنت ومالك لأبيك)، نظر إليه مع مجموعة أصول ونصوص شرعية أخرى، ومن النصوص الشرعية ذات العلاقة بهذا الحديث النصوص الشرعية العامة في حرمة مال المسلم سواء كان ابنا أو غيره، وعدم جواز أخذمال الغير  إلا عن تراض، وهذه النصوص على النحو الآتي:

الأدلة الشرعية الصارفة للحديث عن ظاهره:

1-قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)

2-(إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا) وما سوى ذلك من النصوص التي تشير إلى هذه المعاني في حرمة مال المسلم من الأبناء

3-الابن يملك ملكا تاما ويصح تصرفه في ملكه بيعا وإجارة ولا يشترط لصحة العقد رضا الأب.

4-استحالة ان يكون حديث  (أنت ومالك لأبيك) على ظاهره لأن ذات الابن لا تكون مملوكة للأب فليس للأب بيع ابنه، فدل ذلك على أن اللام في قوله صلى الله عليه وسلم لأبيك، ليست لحقيقة لملك على ظاهرها، وإنما تفيد أنها للإباحة وفي أحسن الأقوال يمكن للأب أن يأخذ من مال ولده ولكن بشروط، أو أنها في شبهة الملك.

وعليه فلا بد من إعمال الأدلة الشرعية هذه جميعا مع الحديث(أنت ومالك لأبيك)، ولا يجوز  الإيمان ببعض الكتاب وترك بعضه، ويجب تقييد الحديث بالنصوص السابقة.

ثانيا: تقييد الحديث بالأصول السابقة:

نظرا للأصول السابقة التي تقيد إطلاق الحديث(أنت ومالك لأبيك) ، ذهب الفقهاء إلى تقييد أخذ الأب من ملك ولده، فقيد  الحنابلة ذلك بقيود، قال ابن قدامة في المغني (6/ 62):(لا يجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته. الثاني أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر)، قال الدَّمِيري الشافعي في النجم الوهاج في شرح المنهاج: (7/ 271: (أنت ومالك لأبيك) وظاهر اللفظ ليس مرادًا؛ لاستحالة ملك المالكين، ولأنه لا يملك ذات الابن، وإنما المراد: التشبيه، وهذا معنى قولنا: شبهة الملك؛ أي: أن ملك الولد يشبه ملك الأب، فهو كحقيقة الملك، بل أقوى، وعليه فإن الفقهاء ينظرون إلى حديث (أنت ومالك لأبيك) بقيود منها القيود السابقة، وأيضا في ضوء حاجة الأب للنفقة، أو وجود شبهة الملك في حد السرقة إذا سرق الأب من مال الابن.

ثالثا: أين المشكلة:

تكمن المشكلة في التدين الخطابي الجماهيري الذي ينظر في النص الشرعي بتفكير جزئي دون وضع النصوص في سياقها مع الأدلة الأخرى، وإنما ينتزع النص من بين النصوص الأخرى، مما أدى إلى اعتقاد بعض الآباء أن من حقهم أن ينتزعوا أموال أبنائهم دون قيد أو شرط بمقتضى  ظاهر الحديث، وأدى ذلك إلى وقوع ظلم على الابن في ماله، والأدهى أن ذلك الظلم يمارس باسم الدين، مما أدى إلى ردة فعل من عقوق الأبناء لآبائهم، ثم نتساءل من أين يأتي العقوق، والجواب: إن العقوق يأتي من الظلم، والأجدى بالأب أن يكون عادلا مع أبنائه حتى يعينهم على البر، وحتى لا يقعوا في سخط الله بسبب عقوق الوالدين.

رابعا: الخلل في الجزئي ليس كالخلل في الكلي:

قد يتساءل سائل فيقول: قد كثر  ظهور أخطاء في ممارسات التدين كانت سائدة على أنها من الدين، ثم تبين أنها ليست من الدين، وصار  الناس يتخوفون من هذه التقلبات على دينهم، نقول لهؤلاء لا داعي للقلق من ذلك ما دامت المدرسة الفقهية السنية في مذاهبها الأربعة مدونة ومحفوظة، وأن التدين الذي يهتز هو تدين هش قام على أفكار انطباعية في النص الديني، ومن الطبيعي أنه لا يثبت، لأنه لا يتحقق من أفكاره الدينية من خلال المذاهب المتبوعة بل هو متأثر بالفكر الديني المعاصر القائم على إعادة النظر في النص الديني، وتجاوز التراث الذي هو في الحقيقة فقه الشريعة في المذاهب المتبوعة، وعليه فإن الدين غير مسؤول عن تلك الآراء الدينية الشخصية، التي تمثل أصحابها، ونحن علينا بعمل الأمة المتصل بسلفها الصالح.

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا يَنْجبِر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان الرباط

14 -صفر-1445

31-8-2023

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top