فقه الواقع أم  تحقيق المناط (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ)

فقه الواقع أم  تحقيق المناط

(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ)

1-وجوب اكتمال الفقه قبل النظر  في الواقع:

لا يمكن مناقشة المسائل في الواقع قبل ضبط الفقه في تفاصيل الحكم بدليله الشرعي ، على النحو الذي يبينه الفقه فيما عليه الفتوى وهو ما يسمى بحَمْل المجتهد، وبعد تعيين الحكم الفقهي بجميع تفصيلاته، يُنظَر بعد ذلك في المسألة في الواقع وتوصيف محل الحكم بحث نظري وصفي لا فقهي، ومن تجاوز هذا الأصل فقد خرج عن حد الشريعة، وليس لديه شئ ينضبط لأنه يعبر عن ذاته وميوله النفسية، ضمن حلقة الواقع المفرغة.

2-الخبرة النظرية في وصف الواقع:

النظر في المسألة في الواقع حالة توصيفية تماما، وبحث نظري يقوم به الطبيب والاقتصادي والسياسي والأمني والفلكي، ولا يشترط فيهم معرفة الأدلة التفصيلة التي هي اختصاص الفقيه، فيقوم الخبير  بتوصيف محل الحكم، وهذا بحث نظري وصفي، إذ يدر ك الكافر والمسلم أن هذا الشراب مسكر، وأن هذا المطعوم مفيد في مرض كَيْت وكَيت، وأن هذه السرعة مضرة بالسائق وخطرة على مستعملي الطريق.

3-مرحلة تنزيل الحكم على محله (تحقيق المناط):

ثم تأتي مرحلة تنزيل الحكم على محله في الواقع، فيقال هذا مسكر  فهو حرام، وهذا مطعوم مضاد مفيد لمرض ما يجب تناوله حفظا للصحة، وهذه السرعة محرمة للإضرار  بالنفس والغير، وأما الذهاب إلى محل الحكم في الواقع قبل ضبط الفقه في أحكامه التفصيلية تحت كلياته، فهذا يعني أن الجمهور  يناقش الواقع خارج الشريعة، ويشفط الواقع و يلوكه بلسانه ثم يتقيأ الواقع بانطباع ديني سواء بدعم حكومي من الموالاة أو شعبي من المعارضة، والكل يحشد النصوص والتعبئة العاطفية، مما أدى لاتساع هوة الشقاق في الدين، بسبب مفارقة المحجة البيضاء في قواعد تحقيق المناط.

4-خطاب السعادة أم خطاب التكليف:

 هذه الحلقة المفرغة في الواقع تعني أن الفتوى هي من نتائج الواقع الطبيعي شفطا ولفظا ودعما، وليس حَشْر متشابهات الشريعة إلا شاهدا على طهارة القيء من الطبيعة ولها ، وهذا هو  سبب اضطرابات التدين المعاصر، الذي يعاند المرور  بالبحث الفقهي في معتمد الفتوى ويريد  الذهاب إلى توجيه الروايات الدينية حسب خطاب السعادة الرَّغبوي تحت سلطان الواقع، وليس خطاب التكليف الذي يغير الواقع، ويجب التفريق بين ما يسمى فقه الواقع الذي هو جزء من الواقع الذي يهيمِن على صناعة التدين، وبين تحقيق المناط الذي يقرر الحكم بتفاصيلة ثم يهيمن على الواقع ويُصلحه، وهنا يتضح الفرق بين قوله تعالى (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ)، وبين الهوى المذموم الذي هو مَيلٌ نحو الطَّبع، وعلى كل حال: سارَتْ مُشَرِّقَةً وسِرْتُ مُغَرِّبًا*** وشتانَ بين مُشرِّقٍ ومُغَرِّبِ.

*تحقيق المناط، فقه الواقع، مبادئ القانون الطبيعي، الهوى المذموم، الخبرة في البحث الفقهي، الفرق بين النظري والفقهي، محل الحكم

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا يَنْجبِر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمَّان الرباط

23-شوال-1445

2-5-2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top