تغيير المنكر من الإصلاح إلى الصراع على السلطة (شيخ الإسلام العز بن عبد السلام نموذجا)

1-سنة السلف تغيير المنكر لا تغيير السلطة:

مضت سنة السلف مع الخلفاء والأمراء على تغيير المنكر وليس تغيير السلطة، فهذا الإمام أحمد يقف ومعه علماء السنة في فتنة خلق القرآن منكرين صابرين، ولم يحولوا تغيير المنكر إلى تغيير السلطة، وكذلك إمامنا مالك في طلاق المكره، أوذي في إيذاء شديدا، ولم يعلق تغيير المنكر إلى تغيير السلطة، لذلك ضاقت الدائرة على المنكرات في عهد السلف، بسبب مركزية الشريعة في التغيير، وليس مركزية السلطة.

2-تواطؤ الفكر الطائفي مع الحداثي على إسقاط الخلافة العثمانية:

ولكن بعد غزو الحداثة في فكرها السياسي القائم على تناقضات المعارضة والموالاة، أعيد إحياء فكر الطوائف البائدة التي قامت على مركزية السلطة وهامشية الشريعة وأن السلطة شرط لتغيير المنكر، وليس مركزية الشريعة، وأعيدت تنصيب الشريعة بين تناقضات الولاء والمعارضة، وأن الحاكم إذا سقطت عدالته سقطت طاعته حسب الفكر الاعتزالي، وطبق هذا الفكر على الخلافة العثمانية، وكان سببا في سقوطها، وتشرذم أهل السنة والجماعة في قوميات وطوائف ودعوات إقليمية وفئوية بديلا للخلافة العثمانية، التي تواطأ على إسقاطها الفكر الاعتزالي القادم من التاريخ، والفكر الحداثي القادم من أوروبا.

3-ما كان العز بن عبد السلام معتزليا ولا حداثيا ولكن حنيفا سُنيا:

سار أئمة الإسلام على منهج السلف، في تغيير المنكر وتحييد الصراع على السلطة، فها هو ابن عبد السلام يقف شامخا كالجبل الأشم في تغيير المنكر، ولم ينازع المماليك السلطة، فأزال منكرا يقدر على تغييره وهو أن المملوك ليس له الولاية العامة، وجعَل المعارض الراجح قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) راجحا  على المانع المغمور في قوله صلى الله عليه وسلم (الأئمة في قريش)، لأن اشتراط القرشية يعني خلعهم من السلطة، لأن تغيير النسب ليس ممكنا، بل يؤدي إلى الإخلال بقطعي لزوم الجماعة وحرمة الدماء والأموال،  وأن ضروري  رد العدو المغولي عن ديار الإسلام مقدم  على تكميلي شرط القرشية في الإمامة، فقدَّم ضروري حفظ الدين والنفس في مواجهة المغول على تكميلي شرط القرشية، وسار بالمماليك سيرة سلفه الصالح من أئمة الدين ففتح الله على المسلمين في عين جالوت، لأنهم نصحوا لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وقدموا ما حقه التقديم، وأخروا ما حقه التأخير.

4-شيخ الإسلام غير قابل للتوظيف في تناقضات الحداثة:

إن جوهر الحداثة في  إعادة قراءة النص الديني وتجاوز المذاهب المتبوعة وتسميتها تراثا، أعاد قراءة الشريعة قراء ثانية تماما، فانتزع الاعتزال المتستر، والحداثة الباطنية، العز بن عبد السلام في قصته مع المماليك، وقلب تغييره المنكر إلى حالة صراع على السلطة، وبعد إسقاط الخلافة العثمانية بتفكير الاعتزال وثورية المختار الثقفىي وباطنية الحداثة، بكى الناس على الخلافة، والآثار الوخيمة التي لحقت بالأمة وعلى رأسها احتلال الياهو مسيحية لفلسطين، وتدنيس المسجد الأقصى، ولكن هل ارتدع الفكر الديني المعاصر عن موبقاته الفكرية داخل البيت السني؟!

5-بطلان نموذج المعارضة والموالاة في تفسير الحاضر الإسلامي:

لم تتوقف تناقضات الحداثة والاعتزال عند إسقاط الخلافة، بالرغم من الفساد الكبير الذي ترتب على إسقاطها، بل تمادت أكثر في ظل الدولة الوطنية، فمن أجل استرداد الخلافة لا بد من هدم الدولة الوطنية، وأعيدت نصوص تغيير المنكر ونموذج شيخ الإسلام العز بن عبد السلام لإسقاط الدولة الوطنية، كما أعيدت نصوص طاعة الإمام ولزوم الجماعة لإبطال أصل إنكار المنكر، في شقاق ديني داخل البيت السني، واستمرار الانشقاقات الدينية في حلقة مفرغة، بينما تمكن الشيعة واليهود من إقامة الدولة ولو خالف ذلك أصولهم الدينية من أجل توفير ملاذ آمن في العالم، بينما ضحى كان البيت السني ضحية أصول الطوائف في إسقاط الملاذ الآمن بالخلافة.

6-الحرب على غزة وضحايا صراع المعارضة والموالاة:

منذ أن بدأت الحرب العالمية على غزة الصامدة،  ظهرت صراعات الموالاة والمعارضة، على توظيف الحرب توظيفا فئويا في مبادلات صفرية، إذا ربح أحدهما خسر الآخر، فصعود المعارضة يعني، تأخر الدولة، وتقدم الدولة يعني تراجع المعارضة، والناس في الحيرة والتردد أين السبيل، ولسان حالنا يردد قول قول المتنبي: جرح في ظهر الخيل تحت السرج متداري*** لا الخيل تشكي و لا الخيال داري، وشعور قاتل بالعجز، بسبب شعوب بلا رأس، ورأس بلا شعب، شعوب مشتتة، ودول تخسر قاعدتها الشعبية، والاثنان ضعيفان في وجه الإكراهات الدولية الحامية للعدوان على غزة، وتناقضات نموذج المعارضة والموالاة أو الإمامة على طريقة المعتزلة والمختار الثقفي، فهل لنا بإصلاح جديد يغير المنكر فعلا، على منهج السنة وأئمتها، يخرج السيف من قِرابه، ويعيد الحق إلى نصابه.

7-هل الشافعي اليوم قائم ببيان أم النعمان صادع باستحسان:

 في وقت الناس في أمس الحاجة إلى ابن عبد السلام جديد، قادر على تحويل المعادلة الصفرية إلى ربح للجميع، في عين جالوت جديدة، وتربح الأمة الجماعة وقطعي حفظ الدماء والأموال، ووحدة الصف في وجه العدو، يوجه العز الجديد سهام الجماعة على المبادلة الصفرية بين أجنحة المعارضة في نفسها، أو المعارضة والموالاة، ويمحق حال  التربص المتبادل التي تنتهي إلى خسارة الجميع، وضياع المكاسب الفئوية المؤقتة، بسبب تحويل تغيير المنكر من الإصلاح على طريق السنة، إلى صراع على السلطة على طريقة الحداثة والاعتزال

الطريق إلى السنة إجباري

الكسر في الأصول لا يَنْجبِر

عبد ربه وأسير ذنبه

أ.د وليد مصطفى شاويش

عَمان الرباط

14-رمضان-1445

 25-3-2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to top