1-حتى يكون الفقه مقارنا لا بد من معرفة حقيقة المذهب الذي يقارَن مع غيره، حيث يعرف الباحث مذهبه فروعا وقواعد وأصولا وتخريجا، بالإضافة إلى روايات المذهب والخلاف داخل المذهب الفقهي فيما يعرف بالخلاف النازل، حتى إذا انتهى الباحث من الخلاف النازل، شرع في الخلاف العالي مع المذاهب الأخرى، فيقارِن مذهبه بالمذهب الآخر، وتكون المقارنة ثنائية، فعلى فرض أنه مالكي فيقارن مذهبه مع الشافعية، أو مذهبه مع الحنفية، وهكذا، فيضبط مذاهب الغير بالنسبة إلى مذهبه، وهو يزور المذاهب الأخرى في منازلهم، فيناقشهم ويناقشونه، فيضبط مذهبه ومذهب غيره، ويقدِر عندئذ على خوض الخلاف العالي مُفيدا ومستفيدا.
2-أما عديم المذهب الذي يبدأ بالفقه المقارن، فهو في الحقيقة ليس مقارنا، لا يعرف أصول القوم، ولا قواعدهم ولا يضبط فروعهم، إنما هو حالة من النزوح الثقافي، حيث لا يجد الباحث له منزلا يأوي إليه، ولا يقارن نفسه مع الغير بل يرى كلام الغير مع الغير، وهو أجنبي عن الخلاف، ليس له فيه ناقة ولا جمل، فيزداد حيرة وشكا، ويحسب كل بيضاء شَحمة وكل مدوَّرة كعكة، فهو فاقد للهويةالعلمية أصلا، وهذا النزوح الفكري، والكشكول الثقافي، وفقدان الهوية لا يسمى فقها مقارنا.
