لا شك أن في الدين أركانا ليس منها النصيحة، ولكن التعبير البلاغي بالحصر في النصيحة لما قد يستهان بها، فيضيع الدين كله، ولكن هل النصيحة كلمات عابرة تُلقى ثم يمضي صاحبها ظانا أنه أمر بمعروف أو نهى عن منكر، ثم يحصر الدين في ذلك، فتأملت الأمر فوجد النصيحة هي:
1-الطبيب الذي يضحي بمكاسبه مع شركات الأدوية والمختبرات والمستشفى الذي يعمل فيه، ثم يقول للمريض حالتك بسيطة وهي فعلا كذلك، ولا يحتاج في كسر أصبعه إلى مستشار الأمراض المعدية، وصورة الطب النووي إلخ.
2-المهندس الذي ضحى بمكاسبه الشخصية مع مندوبي المبيعات والمشتريات، والعمال من ذوي القرابة، من أجل مصلحة صاحب المبنى والمصنع الذي عين من أجل خدمته، وتقاضى راتبه على ذلك
المعلم الذي يفني نفسه داخل قاعة الدرس لا يألوا جهدا في عطائه مع أن الترهل الإداري قد ضرب بأطنابه، ولم يعد هناك من يحاسبه، بالرغم من شح راتبه إلا أنه أدى الأمانة للطلاب أمامه.
3-المحامي الذي نصح صاحب القضية أن قضيته خاسرة تماما، ولا داعي لإقامة دعوى خاسرة، وضحى هذا المحامي بمكاسبه الخاصة من باب الأمانة من الموكل، ولم يغرر به في المحاكم والمخاسر المالية.
4-السائق الذي نصح للراكب وسلك به أقصر الطرق مع أقل التكاليف، دون أن يشعر الراكب بذلك، وكان أمينا مع الراكب الذي يجهل الطرق.
5-الوكيل الذي ينصح لموكله ويعمل على مصلحة الموكل ولم يضح بالموكل من أجل تحقيق مكاسب من تحت الطاولة وهو يقدر على ذلك.
6-النصح للحاكم بما فيه نفع الدولة والأمة، والتضحية بأية مكاسب شخصية في سبيل النفاق والمجاملة الكاذبة في نقائض الموالاة والمعارضة والحزب والجماعة، التي تفسد دنيا الحاكم والمحكوم ودينهم، لأجل مكسب فردي للمستشار غير المؤتَمن، الذي ينصح بما ينفعه خاصة ويضحي بالأمة حكاما ومحكومين.
وفي الخاتمة إن الأمر لا ينحصر، ولكن النصيحة التي هي الدِّين في كل مستشار مؤتمَن ضحى بمكاسبه الخاصة، وسلك مسلك المصلحة لمن ائتمنه على الاستشارة، وعلى ذلك فقِس، فتعلم أن هذه الأمانة عظيمة وليست بالأمر الهين، وليست ثرثرة إعلامية لجذب الجمهور، وهي تستحق من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤكدها ويقول: (الدين النصيحة)، وهذه لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم.
الطريق إلى السنة إجباري
الكسر في الأصول لا يَنْجبِر
عبد ربه وأسير ذنبه
أ.د وليد مصطفى شاويش
عَمان الرباط
14 -شعبان-1445
24-2-2024