1-دليل القياس كلي مقدم على الدلالة الجزئية المحتملة في النصوص الشرعية، لأن الأدلة الكلية لم تكن كلية إلا بكثرة جزئياتها، والترجيح بالكلي هو ترجيح بكثرة الأدلة، والأدلة الجزئية تتشابه وتتعدد احتمالاتها، فكان لا بد من رفع احتمال المتشابهات الجزئية بالمحكمات الكلية، وهذا المنهج الرصين هو الذي بينه الصديق رضي الله عنه في رده على مانعي الزكاة الذين احتجوا بالجزئي المحتمل لخصوصية الزكاة بالنبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)) وزعموا أن الخطاب قاصر على المخاطَب في اللغة.
2-واستدل الصديق بالقياس، وهو أن الزكاة كالصلاة، لأن القياس هو الذي يجمع فروع الشريعة ويجعلها يصدِّق بعضها بعضا، ولم يكن تأويل الصديق نص الكتاب بالقياس لعِبا، بل كان ردا لمتشابهه في النص الجزئي الذي استدل به مانعو الزكاة لمحكمه في الكليات، ردا على فساد النظر الجزئي في النص، والحق هو تأويل الجزئي بما يتفق مع الكلي، ويظهر جليا في مذهب مالك، في وجوب رد النصوص الجزئية المحتملة لمعان مختلفة، لتعيين الاحتمال المراد من الشارع في النص الجزئي، وهذا أحد وجوه المذهب في معنى تقديم القياس على الخبر.